لم يقلها شكسبير.. البريطانيون عاشوا 600 سنة متوهمين أن أب الأدب الإنجليزي ألّف هذه العبارات الشهيرة

اتّهم الأكاديمي الأسترالي ديفيد ماكلنيس مؤلفي قاموس أوكسفورد الإنجليزي بالانحياز الأدبي عندما قالوا إن شكسبير اخترع عبارات في القاموس.

وقال الأكاديمي إن شكسبير لم يبتكر عباراتٍ مثل “It’s Greek to me” ولا “a wild goose chase” في مقاله المنشور في صحيفة The Guardian البريطانية.

في المقال الذي كتبه د.ديفيد ماكلنيس، الذي يعمل محاضراً لأدب شكسبير بجامعة ملبورن، اتهم الدكتور قاموس أوكسفورد الإنجليزي بالانحياز إلى شكسبير عبر الادعاء بأنه مخترع مئات الكلمات في الإنجليزية.

يحتوي قاموس أوكسفورد الذي نُشر أول أجزائه بين عامي 1884 و1928 على أكثر من 33 ألف اقتباس لشكسبير، وفق كلام ماكلنيس، من بينها 1500 كلمة “تُعد الدليل الأساسي لنشأة الكلمة في اللغة الإنجليزية”، ونحو 7500 كلمة “تُعد الدليل الأول لاستخدامها بمعنَى خاص”.

كانت الأعمال الكاملة لشكسبير هي الاختيار الأول

يقول ماكلنيس إن “قاموس أوكسفورد الإنجليزي مُنحاز: خاصة في أيامه الأولى، إذ كان القاموس يُفضل الأمثلة الأدبية، والمشهورة”. “وكانت الأعمال الكاملة لشكسبير هي الاختيار الأول لوضعها مثالاً لاستعمالات الكلمة، رغم وجود كلمات وعبارات استخدمها أناس أقل شهرة قبل ذلك”.

وفق ما قاله ماكلنيس فإن شكسبير نفسه لم يخترع كل الكلمات والعبارات التي تُعزى إليه. “وقراؤه كانوا يفهمون على الأقل خلاصة ما قصد قوله، مما يعني أن كلماته كانت منتشرة بالفعل، أو كانت تراكيب منطقية مكونة من مفاهيم موجودة بالفعل”.

أما عبارة “It’s Greek to me” أي لا أستطيع الفهم على سبيل المثال، تشير إلى حديث غبي بين كاسكا وسيسرو في مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير، قيل فيه “أولئك الذين فهموا ما قاله ابتسموا لبعضهم البعض وهزوا رؤوسهم، أما أنا فلم أستطع الفهم”.

لا أستطيع الفهم سيدي

تُعد هذه المسرحية التي صدرت عام 1599 هي أول مصدر في قاموس أوكسفورد لاستخدام هذه العبارة، لكن الأكاديمي ماكلنيس يشير إلى أن البحث في الكتب الإنجليزية القديمة باستخدام الوسائل الرقمية أرجع استخدام العبارة إلى كتاب روبرت جرينز بعنوان التاريخ الأسكتلندي في عهد جايمس الرابع الصادر عام 1598، لكن من المحتمل أنه كُتب عام 1590 ويقول ماكلنيس متهكماً “في هذا الكتاب سأل سيدٌ امرأة إذا كانت تحبه، فأجابته بغموض ‘لا أستطيع أن أكره‘. “وأعاد وطلب منها إن كانت تقبل منه ‘الزواج‘، فادعت أنها لا تفهمه وقالت في ردها النهائي “لا أستطيع الفهم سيدي‘”.

في هذه الأثناء أعزى قاموس أوكسفورد استخدام عبارة “a wild goose chase” أو السباق المستحيل إلى مسرحية روميو وجولييت لشكسبير عام 1595. “لا لا.. إذا كان ذكائي وذكاؤك سيشتركان في سباق مثل هذا فسوف أخسر! لأن خبرتك بهذا السباق قدر خبرتي خمس مرات! بل إن حاسة واحدة من حواسك تسبق حواسي الخمس في متابعته.. هيه.. هل تعادلت معك في هذا السباق إذن؟”

لكن ماكلنيس يشير إلى استخدام العبارة عام 1593 في كتاب الشاعر جيرفاز مارخم عن الفروسية. وكتب ماكلنيس “من الواضح في هذا السياق أن الناس فهموا معنى “السباق المستحيل” على أنه نوع معقد من تحدي سباق الخيول، أو منافسة، أي نوع آخر من مهمة صعبة أو طلب صعب”.

ويقر مالكلنيس أن كلمات شكسبير أحياناً تكون أكثر “قابلية للتذكر” و”أصالة”، كما في عبارة ” to make an ass of oneself” أو “تصرف بحماقة” التي يبدو أن المسرحية اخترعتها.

يضيف ماكلنيس “في قصة حلم ليلة صيف، أصبح بوتوم الحائك أحمق، وعلق الآخرون على هذا التحول، لكنه ظن أنهم يسخرون منه: “يجعلون مني أحمق، ليخيفوني إن استطاعوا”

“فهل اخترع شكسبير كل تلك الكلمات بالفعل؟”

لا، لم يفعل ذلك. اخترع البعض، لكنه عادة ما أتى بأكثر التراكيب أو الاستخدامات المشهورة، وغالباً ما نجد استخدامات أخرى تسبق تلك المكتوبة في قاموس أوكسفورد لم يستشهد بها القاموس حتى الآن.

وتكمن موهبة شكسبير في نظرته للطبيعة الإنسانية، وقدرته على سرد الحكايات، وإبداعه لشخصياته الرائعة، فموهبته لا تتمثل في اختراعه كلمات جديدة فحسب.

وقال متحدث باسم قاموس أوكسفورد الإنجليزي إن هناك “عملية مراجعة مستمرة وكاملة” تُجرى حالياً، وتهدف إلى مراجعة كل كلمة في القاموس “لزيادة دقة التعريفات، والاشتقاقات، وطرق النطق، والشواهد التاريخية”.

تناقص عدد المفردات التي كان يُعتقد أن أول من ذكرها شكسبير

ويعد جزء كبير من هذا العمل بحثًا حديثاً اُستخدِم فيه كم كبير من معلومات الموارد الرقمية والأرشيف الرقمي. وتابع الناطق قائلاً “تكشف كل هذه الدراسات غزارة الأدلة التي لم يرها مؤلفو قاموس أوكسفورد الأوائل، الذين قبلوا من البداية أية نصوص، أدبية أو غير أدبية، واستخدموها كأدلة مقبولة”، مضيفاً “خلال هذه العملية كشفنا عن أدلة استخدامات كلمات وعبارات كثيرة سابقة عن المذكورة التي تُعزى إلى شكسبير”.

وأضاف المتحدث أنه في عام 2011، أشار رئيس تحرير قاموس أوكسفورد الإنجليزي حينها، جون سيمسون، إلى تناقص عدد المفردات التي كان يُعتقد أن أول من ذكرها هو شكسبير، وفي أبريل/نيسان، كتب اللغوي إدوين باتيستيلا في مدونة OUP الإلكترونية أن “تقريباً نصف عدد المفردات التي اُعتقد أن شكسبير هو أول من صاغها أدركنا الآن أنها استخدمت قبله”.
مستطرداً “ومع ذلك فإن العديد من المفردات لم تُعدّل بعد”.

كما اختتم حديثه قائلاً “إن فريق قاموس أوكسفورد الإنجليزي يرحِّب دائماً باستقبال أيّ دليل يكشف استخداماً لكلمة قبل التاريخ المذكور في القاموس”.

هافغنتون بوست

Exit mobile version