لإجراءات التي تم اتخاذها لكبح جماح الدولار ولجم الانخفاض المريع في سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية، إجراءات جيدة وحاسمة، لكن لابد أن تترافق معها وتصاحبها تدابير أخرى خاصة في ما يتعلق بالمعالجات الاقتصادية. فالإجراءات الحالية هي مؤقتة واحترازية وذات نفع لكنها ليست جوهرية ونهائية، فالأفضل في كل الأحوال هو اهتداء الحكومة وطاقمها الاقتصادي لما يعالج أزمة الاقتصاد الكلية وزيادة الإنتاج بتوجيه الموارد والتمويل للقطاعات الإنتاجية والتصدير لتوفير العملات الصعبة وسد العجز في الميزان التجاري . > وكثير من الخبراء والمختصين في الاقتصاد لديهم نظريات متنوعة في سبيل تخفيف حدة ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه، ويمكن للسياسات الاقتصادية أن تأخذ بأنجعها وأنفعها خاصة آراء الخبراء أصحاب التجربة والدراية بالسياسات النقدية والمالية. فواضح أن الفترة الماضية كان هناك اضطراب في هذه السياسات غير المستقرة وغير الواضحة وقد أضر ذلك كثيراً بالأداء الاقتصادي ولن تستطيع الحكومة تحقيق نصر حاسم في معركتها مع ارتفاع الدولار إن لم يكن هناك توافق وانسجام وتناغم خلاَّق بين السياستين الاقتصادية والنقدية، تلك التي تضعها وتنفذها وزارة المالية والاقتصاد الوطني، والأخرى التي ينفذها ويقوم على تطبيقها بنك السودان . > وكلنا يعلم علم اليقين إنه بغير الإنتاج والتصدير، يصعب الحفاظ على أي انخفاض او استقرار مريح لسعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأخرى، وهذا يتطلب عزما ًوجهداً ًضخماً من الحكومة في ترتيب أولويات الصرف وتخفيضه وأسبقيات الاستيراد وترشيده وتوجيه الموارد الى الإنتاج وضبط كل ما يتعلق بالنقد الأجنبي المخصص للاستيراد ووقف واردات الكماليات والسلع الاستهلاكية غير الضرورية التي أفسدت قيم الاستهلاك والفضيلة الحياتية التي كان تميز الحياة السودانية بالبساطة وحين توظيف المال والاكتفاء الذاتي من المنتج المحلي . > هناك جوانب كثيرة متعددة تتعلق بالإجراءات الحالية التي نفذتها السلطات الأمنية بالقبض على تجار العملة والمضاربين بالدولار، وقد تم تجريب هذا الإجراء عدة مرات وصدرت من قبل ونفذت أحكاماً بالإعدام على تجار العملة، لكن الأثر ظل فعالا ًفي وقته وظرفه، ثم تراجع تأثيره وتم التكيف معه من التجار وعادت التجاوزات والتجارة غير الشرعية للعملة كما كانت بأعنف وأشد وأكثر ضراوة، والسبب الواضح في ذلك ومعلوم للجميع، أن العملات الصعبة كالدولار واليورو والريال السعودي والدرهم الإماراتي وغيرها من العملات صارت هي سلعة مثل يائس السلع وليست قيمة دفع بتم التداول والتعامل بها، وهذا خلل كبير في اقتصادنا الوطني وحالة يصعب ضبطها إلا اذا بذلت الحكومة جهوداً ضخمة في حزم من السياسات والإجراءات أشرنا إليها آنفاً . > اذا كان كثير من الناس يعتقدون أن الحكومة نفسها هي أكبر مشترٍ للدولار واليورو وبقية العملات، فإن هذا الزعم وكل ما يتعلق به من توابع في حال صحته ، سيفاقم من الأزمة ويدفعها في اتجاه معقد الحكومة تعلمه والسوق يحس به ويتهيأ لكل ما يتصل به من تداعيات ، فالحكومة لقلة مواردها من العملات الصعبة تلجأ لتوفير بعض الاحتياجات الضرورية من السوق الموازي وهي بهذا الاحتياج الملح تزيد من الخناق حول الرقبة كالباحث عن حتفه بطلقة، فَلَو وضعت الحكومة حدوداً وقيوداً تضبط بها نفسها أولاً ًوخفضت صرفها ورشَّدت مصروفاتها وبحثت عن بدائل أخرى، لتحقق لها بعض ما تصبو إليه في تقليل هذه الجائحة . > ومن المفيد حقاً، أن تدفع هذه الأزمة المخيفة التي نمر بها بشأن ارتفاع سعر الدولار والعملات الأجنبية مقابل جنيهنا، كل العقول الاقتصادية وأهل الخبرة والاختصاص للبحث عن حلول موضوعية ومخارج آمنة، ومن حظنا جميعنا أن الاقتصاد السوداني «ذو عظم قوي» ولولا ذلك لانهار تماماً وسقط السودان في هوة عميقة لا قرار لها ولا قاع.
الانتباهة