ما يتفادى وزير المالية الاعتراف به كان المحافظ السابق أكثر وضوحًا في توصيفه.. “الوضع الاقتصادي صعب” كما يقول “صابر” قبل أن يلفت إلى إمكانية العلاج رغم ضخامة الكلفة

لم يعد بوسع القادة الحكوميين إخفاء معادلة الاقتصاد المختلة، شيئًا فشيئًا تقدم الحكومة على الاعتراف باستحكام الأزمة والبحث عن مخارج لمعالجتها. وبالنسبة لصابر محمد الحسن محافظ بنك السودان المركزي السابق وأحد أبرز منظري الاقتصاد الحكوميين، فإن تدهور الاقتصاد السوداني يُعزى إلى طباعة البنك المركزي للنقود للتمكن من شراء الذهب ما أدى إلى فقدان العملة قوتها. صابر يحث البنك المركزي على الانسحاب الفوري من عمليات شراء الذهب لوقف تدهور سعر صرف النقد الأجنبي مقابل الجنيه السوداني، ذات الإحساس بعظم الأزمة بدا في إقرار محافظ بنك السودان المركزي بالإنابة في تصريحات الأسبوع الماضي، بضعف حجم الصادر السوداني، في مقابل الواردات التي تستدعي توفير عملة صعبة. المخاوف من اعتلال الوضع تبدو واضحة أمام قائمة صادرات لا تتخطى الثلاثة مليارات دولار، في مقابل قائمة استيراد تفوق التسعة مليارات دولار، مخلفة وراءها عجزًا في الميزان الخارجي يقدر بنحو 6 مليارات دولار، وسعر صرف كان يتذبذب خلال الأشهر القليلة الماضية بين (15 إلى 16) جنيهًا أو يزيد، مقابل الدولار الواحد، قبل أن تستعيد العملة المحلية بعضاً من عافيتها خلال الأيام الماضية بلوغاً إلى مرحلة الثلاثة عشر جنيها مقابل الدولار، إثر قيام السلطات الأسبوع الماضي بإلقاء القبض على 26 من كبار تجار العملة في السوق الموازي وإيداعهم السجن، في إطار المحاولات لكبح جماح التصاعد الكبير في أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه، بجانب أحاديث هنا وهناك عن إلزام بعض كبار المضاربين في الدولار بكتابة تعهدات بعدم المتاجرة في العملة.

ورغم محاولات المسؤولين الحكوميين التحايل على الأوضاع الاقتصادية ورفض تصويرها على أنها على شفا الانهيار، إلا أن الأوضاع الاقتصادية وبشكل عملي ومنذ انفصال الجنوب خلفت آثاراً سلبية على الاقتصاد بذهاب أكثر من 75 % من عائدات النفط. وترى الحكومة أن الارتفاع المستمر في سعر الصرف الأجنبي، غير واقعي وأنه نتاج لمضاربات التجار في السوق السوداء، وأن السعر الحقيقي أقل بأكثر من النصف، وهو ما يفرط في تأكيده وزير المالية بدر الدين محمود بأن سعر الدولار في السوق الموازي لا يجب أن يتعدى الـ(7) جنيهات وأن ما يحدث من ارتفاع مستمر ما هو إلا مضاربات يقوم بها أصحاب المصلحة. ما يتفادى وزير المالية الاعتراف به على أنه أزمة ومعادلة مختلة تضرب الاقتصاد السوداني، كان المحافظ السابق أكثر وضوحًا في توصيفه، حيث وصف الوضع الاقتصادي في البلاد بالصعب، لكنه لفت إلى إمكانية علاجه رغم ضخامة الكلفة.

وحث صابر على معالجة الخلل في السياسات الاقتصادية، في ورشة عقدت بالخرطوم بعنوان (الجنيه السوداني إلى أين؟) أواخر الأسبوع الماضي، أشار محافظ البنك المركزي السابق صابر محمد الحسن إلى أن مطبعة العملة ببنك السودان تعمل بكثافة على مدار اليوم لشراء الذهب وتمويل المخزون الاستراتيجي، وأضاف المحافظ السابق أن ارتفاع سعر الصرف مؤشر لوجود خلل وسياسات اقتصادية غير سليمة، الرجل بوصفه من المسؤولين الاقتصاديين، خلص إلى أنهم لم يضعوا إجراءات وإصلاحات لتفادي الانفصال الذي ذهب بـ 75 % من البترول، رغم الدراسات التي أجريت بشأن انفصال الجنوب، في ذات الاتجاه سار رئيس غرفة المستوردين رجل الأعمال سمير أحمد قاسم الذي قال إن السياسات الاقتصادية تحتاج إلى مرونة وسياسات واضحة وإلا سوف تكون النتائج عكسية، محذراً من الفجوة بين سعر الصرف في السوق الموازي وتحويلات المغتربين، ما جعل بعضهم يحجم عن التحويل، وقال إن الفجوة بين السعر الرسمي للبنك والسعر في السوق الموازي تقدر بعشر جنيهات، وكشف الرجل عن سياسات يعتزم بنك السودان اتباعها لاجتذاب أموال المغتربين من الخارج، توقع أن يكون لها الأثر في تغيير معادلة سعر الصرف والاقتصاد.

الخلل في المعادلة الاقتصادية بحسب توصيف الخبراء والمختصين في المجال الاقتصادي لاعبها الرئيس تزايد الصرف على الجهاز التنفيذي للدولة، التي تنفق مصروفات كبيرة، وينتظر من إيراداتها الوفاء بمخصصات نحو ثلاثة آلاف دستوري وألف وزير، وأعداد كبيرة من العاملين في القطاعات المختلفة، بينما يقف عدم استقرار سعر الصرف حجر عثرة أمام استقرار الاقتصاد ، بحسب ما ذهب إليه رئيس غرفة المستوردين سمير أحمد قاسم، إذ قال إن تذبذب سعر الصرف يؤثر على الاقتصاد ككل ومعاش الناس، سمير في حديثه لـ(اليوم التالي) وصف الوضع الاقتصادي بالسيء بالنظر إلى العجز الذي يصل إلى أكثر من 6 مليارات دولار، وقال إن العجز يغطى من تهريب الذهب ومن تهريب بعض المحاصيل الزراعية السودانية، بجانب مدخرات المغتربين التي تقدر بأكثر من 4 مليارات دولار، بينما أشار إلى أن الحرب تأخذ حوالي 80% من الموازنة واعتبره مبلغا ضخما يؤثر على الاقتصاد الكلي ما يوجب على الدولة العمل على وقف الحرب، لتتحول مناطق الحروب في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور إلى مناطق للتنمية، وطالب بضرورة وضع مشاريع استثمارية إنتاجية وزيادة الإنتاج والإنتاجية بهدف الصادر لتسهم في استقرار سعر الصرف وخفض التضخم، وشدد على ضرورة تحسين العلاقات السودانية الأمريكية لما لها من انعكاسات على سعر الصرف، واعتبر وقف المصارف الأجنبية تعاملاتها مع السودان له الأثر الأكبر في التدهور الحالي، الرجل جعل النهوض بالاقتصاد والخروج من الأزمة في زيادة الإنتاج والإنتاجية وجذب المستثمرين السودانيين والأجانب، واستدل بهروب نحو مليار و500 مليون دولار من الاستثمار في السودان إلى إثيوبيا رغم أن السودان أكثر تأهيلا للتنمية من أي دولة مجاورة.

الخرطوم – سلمى معروف
صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version