إعتاد وزير المالية الأسبق عبد الرحيم مؤخراً على إطلاق حزمة من النصائح التي يرى أنها ستخرج البلاد من النفق، وكان آخرها استبدال مشروع الجزيرة بزراعة الزهور من أجل الصادر، أوتحويله من مشروع زراعي إلى مشروع لتربية الماشية وانتاج الألبان، ويرى حمدي أن الذين يحلمون بعودة مشروع الجزيرة إلى سيرته الأولى غير مواكبين لما يحدث داخل المشروع . و هنا يتبادر سؤال إلى الأذهان هل ستنفع خلطة حمدي الجديدة هذه المرة؟ أم سيقف أمامها ما يقف أمام الزراعة بالبلاد من عقبات؟ وربما تظل أفكاره حبيسة الأوراق، وهل سيتقبل المزارع البسيط بالجزيرة الفكرة؟ وفي حال تقبله لزراعة الزهور هل سينجح في تجربة جديدة على خبرته، وعلى مجتمعه الذي مازال يعشق الحياة الريفية ويقتات (العصيدة) و(أم شعيفة)؟، تساؤلات عدة حامت حول الفكرة، لا يستطيع الإجابة عليها سوى مزارعي الجزيرة أنفسهم .
* إتهام حديث حمدي أثار حفيظة المزارعيين وسادت حالة من عدم الرضاء، والغض على صاحب الفكرة الغريبة، فيما بدت معقولةلأصحاب المشروع، حيث اجتر المزارعون ذكريات الماضي الغريب وأخرجوا الهواء الساحن الذي اعتلى نفوسهم طيلة الفترة الماضية، وصبوا جام غضبهم على الرجل وحملوه مسؤولية انهيار أكبر مشروع في الشرق الأوسط وأفريقيا بسبب سياسة التحرير الإقتصادي التي حملت الحكومة على خصخصته، وإبتدر ممثل مزارعي الجزيرة، علي البشرى حديثه لـ(آخر لحظة) بقوله “ التاريخ لا يرحم” مجتراً ذكريات معاناتهم في بداية تنفيذ قرارات التحرير والخصخصة التي إعتبرها من (شق واحد) بحسب قوله، موضحاً أن قرارات التحرير نفذت على المزارع وحده، في وقت تحكمت فيه الحكومة بأسعار مدخلات الإنتاج من آليات ووقود وتقاوي. و قطع البشرى بفشل الفكرة معتبراً زراعة الزهور أمر يحتاج إلى تقانة عالية، بجانب تكاليفها التي ستثقل ظهر المزارع البسيط في ظل إرتفاع أسعار العملات الأجنبية، مضيفاً أن الزهور تحتاج إلى حماية معينة من الآفات والحيوانات (البهايم) .
وأقر في الوقت ذاته بإمكانية تنفيذ مشروع الألبان، لأنه الأقرب إلى المزارع، سيما أن القطيع بالجزيرة يقدر بمليون رأس، بجانب توفر مصادر التغذية، في إشارة إلى الإستفادة من مخلفات الزراعة، كاشفاً عن عدة جهات بادرت بتنقيذ أفكار مشابهة، ولكنها واجهتها بعض الصعوبات، و مضى ممثل المزارعين بقوله إن إنتاج الألبان ليس بالأمر الجديد، ولكن نجاحه يحتاج إلى صناعات مصاحبة، حتي تتم الاستفادة من حجم الإنتاج استفادة قصوى، خاصة وأن صناعة الأجبان بالجزيرة مازالت بدائية لا تلائم حتى أسواق العاصمة، لذلك يتم استهلاكها داخل الولاية.
*الزهور مقابل القمح وأعتبر الخبير الزراعي صلاح قرناص فكرة زراعة الزهور نهج انتهجته عدة دول كانت إثوبيا في مقدمتها، وأنها تجربة ليست جديدة على البلاد، حيث تم تطبيقها في ستينيات القرن الماضي، كما أن إنتاج الزهور السودانية تم تسويقها داخلياً وخارجيا إلى دول أروبية مثل هولندا، وكان عائدها كبيراً، وبالرغم من ذلك وصف قرناص التجربة بـ(الفطيرة)، وتساءل هل من المنطق زراعة (2) مليون فدان زهوراً؟ ومن ثم يتم تصديرها لتستورد البلاد قمحاً، معتبراً أن المقترح يستحيل تنفيذه على أرض الواقع، وذلك لأن البنيات التحتية بالبلاد لا تلائم زراعة بهذه الحساسية التي تحتاج إلى ناقل وطني وصالات تصدير مبردة، الأمر الذي لايتوفر بالبلاد في الوقت الحالي. وزاد قرناص إن الزراعة بالبلاد لم تصل إلى مرحلة الزراعة الإقتصادية، وأنها مازالت في مرحلة زراعة القوت المحلي، معتبراً أن خيار مشروع الإنتاج الحيواني هو الأقرب إلى أرض الواقع.
تقرير:اسماء سليمان
صحيفة آ