بخلاف معظم التحليلات التي تناولت نبأ مقتل المتحدث باسم تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، عضو مجلس الشورى فيه، أبو محمد العدناني، مبرزةً أهمية الرجل كأحد المؤسسين لمشروع ما يعرف بـ”دولة الخلافة الإسلامية”، تتحدث التقارير الاستخباراتية من بغداد بقلق بالغ عما وصفته بـ”الجيل الثاني المجهول لقيادات التنظيم الذين لا تتوفر عنهم أي قاعدة بيانات محددة، كصورهم وأسمائهم الحقيقية وتاريخهم في العمل المسلح ومناطق وجودهم في العراق أو سورية”.
ومع تأكيد مقتل العدناني في إعلان رسمي صدر عن “تنظيم الدولة”، يكون الفصل الخاص بالقيادات المؤسسة للتنظيم قد شارف على الانتهاء إلا من بضعة أشخاص أبرزهم زعيم التنظيم، إبراهيم عواد البدري، المعروف باسم أبو بكر البغدادي الذي لم يعد هو الآخر بمأمن بعدما تم النيل من رفيق دربه وصندوق أسراره، أي العدناني، في غارة شرقي حلب نفذتها طائرة أميركية مسيرة كانت تراقبه، بحسب ما أعلن البنتاغون يوم الثلاثاء.
ويأتي مقتل العدناني، صاحب خطب التهديد ورسائل التوجيه لعناصر التنظيم، بعد أقل من 60 يوماً على مقتل القائد العسكري العام للتنظيم، أبو عمر الشيشاني، بغارة أميركية في العراق. ولم يتبق بالتالي من المجلس التأسيسي للتنظيم (غالبيتهم عراقيون) الكثير ممن يعرفون بالرعيل الأول الذين عملوا مع زعيم تنظيم “القاعدة”، أسامة بن لادن، أو زعيم تنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، أبو مصعب الزرقاوي، وشاركوا في ولادة “دولة العراق الإسلامية” بزعامة أبو عمر البغدادي الذي قتل في إبريل/نيسان 2010، لينتخب أبو بكر البغدادي خلفاً له. وبعدما بايعه أغلب قيادات التنظيم، أعلن، في التاسع من إبريل/نيسان 2013، عن قيام “الدولة الإسلامية في العراق والشام” بعد عامين من الثورة السورية المطالبة بإسقاط نظام الأسد وإقامة حكم ديمقراطي في البلاد.
ومنذ 19 سبتمبر/أيلول 2014، والذي شهد أولى الغارات الجوية على مواقع “داعش”، بعد إعلان واشنطن الحرب عليه وتشكيل تحالف دولي ضده، خسر التنظيم عدداً كبيراً من قادته الروحيين والميدانيين، غالبيتهم سقطوا بقصف أميركي على أهداف ومعاقل التنظيم في العراق وسورية.
ووفقاً لمعلومات يمكن جمعها من خلال إعلانات “التنظيم” نفسه، أو تقارير دوائر الاستخبارات الغربية (تفتقد الإعلانات العراقية والسورية للمصداقية) فإنه من إجمالي أعضاء مجلس الشورى في “داعش”، البالغ عددهم 44 قيادياً، هم مسؤولو الولايات والقادة العسكريون والمنظرون الشرعيون، هناك 31 قيادياً ساهموا في إنشاء التنظيم وقيادته منذ البداية. لكن قتل من هؤلاء المؤسسين حتى الآن 23 قيادياً، هم: 1) فاضل الحيالي الملقب بأبو مسلم الخراساني، 2) أبو عبد الرحمن البيلاوي، 3) والي الأنبار، أبو مهند السويداوي، 4) والي نينوى، رضوان حمدون أبو جرناس، 5) الشيخ عبد الباسط الأنصاري، 6) والي الفلوجة، أبو زهراء المحمدي، 7) المتحدث باسم التنظيم، أبو محمد العدناني، 8) نعمان منصور الزيدي، المعروف بأبي سليمان الناصر لدين الله، 9) تارخان باتيراشفيلي، المعروف بأبو عمر الشيشاني، 10) مصطفى عبد الرحمن أبو علاء العفري، 11) إياد بشار السامرائي الملقب أبو أنس، 12) يونس سالم حسين الجبوري ويلقب أبو حمزة، 13) أيوب شيحان الشمري، 14) إبراهيم الطويل المتيوتي، 15) حسن المصري الملقب بأبو الحارث، 16) صلاح مصطفى قره باش، 17) أبو علي الخليلي فلسطيني، 18) فارس يونس الجرجري، 19) حجي بكر سمير الخليفاوي، 20) صادق جعفر المشهور باسم صلاح الدين، 21) نبيل الجبوري المعروف باسم أبو سياف وقتل عام 2015 بإنزال جوي أميركي في دير الزور، 22) فلاح الكردي أو أبو عمر السلفي، 23) وسام نجم عبد زيد.
أما أبرز القادة الحاليين المتبقين من الجيل المؤسس بحسب ما توصل إليه “العربي الجديد” فهم: 1) زعيم التنظيم، إبراهيم عواد البدري (عراقي)، 2) القائد العسكري العام الحالي، أبو سليمان ناصر (عراقي)، 3) أبو علي الأنباري (عراقي)، 4) شاكر وهيب (عراقي)، 5) حسين بلال بوسنيتش (بوسني)، 6) طارق بن الطاهر بن الفالح العوني الحرزي (تونسي)، 7) أبو عبد الله الحربي (كويتي)، 8) القيادي الثامن مجهول الهوية وله كنية أبو عبد الرحمن الشامي، ويعتقد أنه مفتٍ في التنظيم.
وفيما يخشى كثيرون من كابوس ولادة الجيل الخامس ما بعد “داعش”، والمقصود هنا سلسلة التطور في التنظيمات الجهادية التي بدأت مع جماعة التوحيد والجهاد في عامي 2003 و2004، وقاعدة الجهاد في بلاد الرافدين بين 2004 و2006، ودولة العراق الإسلامية، من 2007 إلى 2013، وصولاً إلى “داعش” اعتباراً من عام 2013، من المتوقع أن يكون الجيل الجديد أكثر شراسة وتطرفاً من التنظيمات الأخرى. وهو الأمر الذي يدفع عدداً كبيراً من المراقبين إلى المطالبة بعلاج جذري لأسباب التجنيد والتطرف. وهذا يتطلب، وفق هؤلاء، إيجاد حل سياسي جذري في كل من العراق وسورية، وإنهاء آلة القمع والإذلال والقتل التي يفرضها النظامين في هذين البلدين، بدعم مباشر من إيران.
الساحة مهيأة للجيل الجديد
ووفقاً لآخر التقارير الصادرة من بغداد، أمس الأربعاء، نقلاً عن مسؤولين عسكريين بوزارة الدفاع العراقية، سيؤدي مقتل العدناني إلى جعل الساحة مهيأة بالكامل لبروز جيل جديد من القادة الميدانيين والروحيين للتنظيم غير معروفين بالكامل ويمكن وصفهم باعتبارهم تلامذة القيادات المؤسسة للتنظيم. وقال ضابط عراقي بارز في ديوان استخبارات الدفاع أن “قاعدة بيانات عريضة كانت تمتلكها واشنطن ولدينا أيضاً معلومات عن قيادات داعش كون معظمهم معتقلين سابقين في سجن بوكا أو سوسة أو أبو غريب أيام الاحتلال الأميركي للبلاد، أو من قاعدة بيانات وزارة الداخلية قبل الاحتلال، لكن من غير المرجح معرفة أي قيادة جديدة تترشح للصدارة اليوم وسيكون من الصعب معرفة شيء عنها”. وتابع أنه “لا تتوفر عن الجدد الذين سيتولون المهمة أو تولوها فعلاً بعد القادة الذين قتلوا، خلال العامين الماضيين، أي قاعدة بيانات محددة، كصورهم وأسمائهم الحقيقية وتاريخهم في العمل المسلح ومناطق وجودهم في العراق أو سورية”.
انطلاقاً من ذلك، أكد المسؤول نفسه أنه “لا وجود لإجابة عندما يسأل أحد الأطراف: من هو الشخص الذي شغل منصب أبو عمر الشيشاني أو الشخصية التي تولت منصب والي نينوى بعد مقتل العفري”. والسبب يتمثل في أنه ليس لدى الأجهزة المعنية أية معلومات بهذا الشأن، وفق تأكيده. وأضاف أن لـ”داعش” قدرة على خلق قادة جدد، علماً بأن السؤال يبقى في معرفة “مدى كفاءتهم والكاريزما التي يملكونها في التأثير على عشرات الآلاف من أتباعهم بالعراق وسورية”.
واستدرك المسؤول العسكري قائلاً إن “أحد التقارير الأميركية أكد أن قيادات داعش الجدد هم أكثر وحشية وتطرفاً من القادة السابقين الذين تخرجوا من مدرسة تنظيم القاعدة”، مؤكداً أن “الاغتيالات الأخيرة لقيادات داعش كلها أميركية، إذ نجحت في اختراق التنظيم بأساليب عدة من بينها اختراق بشري وآخر تقني”. في هذا الإطار، أضاف المصدر نفسه أن معلومات تفيد بأن “مقتل الشيشاني جاء بعد طُعم تركه الأميركيون والتقطه داعش من خلال عربات عسكرية استولى عليها داعش جنوب الموصل وتبين أنها مزروعة بجهاز تتبع وتسجيل كشف لهم الكثير من أحوال التنظيم ومكالمات قادته وعناصره ومناطق وجودهم”.
من جانبه، قال الخبير بشؤون الجماعات المسلحة، فؤاد علي، لـ”العربي الجديد” إن “مقتل قيادات داعش مهم بالتأكيد ولا يمكن إلا أن يكون مؤشراً على دخوله في مرحلة وهن، لكن يجب أن نفهم أن التنظيم غير مبني على شخصيات بل على فكر وعقيدة وهو قادر على خلق المزيد من القيادات، والتي تكون أكثر تطرفاً من غيرها. لكن يبقى السؤال هنا هو خبرة القائد الجديد عسكرياً”، بحسب تعبير علي. وأضاف أن “الفكرة النهائية بالأمر كله أن الحرب لن تكون قادرة على القضاء بشكل كامل على التنظيم أو أمثاله أو ما سيخرج بعده”، مشيراً في هذا الصدد إلى أن “الجيل الجديد يتطرف أكثر على وقع البراميل التي تمزق أشلاء الأطفال”، ومعتبراً أن “تجفيف منابع التطرف” يبدأ “من خلال إيقاف سياسيات الإهانة لكرامة الإنسان العراقي والسوري بدوافع طائفية واضحة”، وفق قوله.
العربي الجديد