قلل خبراء اقتصاديون من توجه بعض نواب البرلمان لجمع توقيعات لسحب الثقة من وزير المالية، وبرأوا الوزير من ما يحدث من تدهور اقتصادي، وقالوا إنه نتيجة أخطاء وتراكمات عبر السنين، لكنهم قالوا إن الأمر يمكن أن يكون مقبولاً إذا جاء كنوع من الاعتراض على سوء إدارة الاقتصاد، لكنه لا يسهم في وقف التدهور، باعتبار أن الوزراء ينفذون أوامر وبرامج الدولة
وقال الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم دكتور محمد الجاك إن سحب الثقة من وزير المالية كنوع من الاعتراض على سوء إدارة الاقتصاد وارد، لكن حسب ما جاء في الأخبار الكتلة الكبيرة التي تمثل نواب المؤتمر الوطني انسحبت من جمع التوقيعات، لكن المطالبة بإعفاء الوزير حتى لو جاءت من أقلية للتعبير عن رفض سوء إدارة الاقتصاد هل ستؤدي إلى وقف التدهور على المستويين القطاعي والقومي؟ واعتبر هذا الأمر لا يجدي، مشيراً إلى أن الوزراء في النظام القائم ينفذون ماهو صادر من أوامر وبرامج أو سياسات يمليها عليهم النظام، باعتبار أنه نظام شمولي في المقام الأول، مهمتهم الأولى فيه التنفيذ، وقال لو أخذ على الوزير أنه يستقبل هذه السياسات لتفيذها وليس له حق الاعتراض، فإنه إذا جاء وزير جديد فإنه سينتهج نفس نهج الوزراء الذين سبقوه، حيث ينفذون ما يتخذه الحزب من سياسات هو غير مطالب بالرد على من ينتقدونها، وقال إذا كان هناك أي نقد يجب أن يوجه إلى سياسة الدولة الاقتصادية
نشاط احتكاري
وقال إن المطالبة بالتغيير من قبل نواب البرلمان جاء لإبراز أنهم يتابعون ماذا وكيف يعمل الجهاز التنفيذي، لكن ليس بامكانهم إحداث تغيير جذري لتبني سياسات جديدة، وأشار إلى أنهم قبل ذلك اعترضوا على زيادة أسعار الغاز، لكنهم تراجعوا بعد أن أوضحت لهم القيادة العليا أن هذا هو برنامج الحزب، وهؤلاء النواب ترشحوا باسم الحزب، لذلك ليس أمامهم أي خيار سوى الالتزام بهذا البرنامج، وقال الجاك إن المشكلة الأساسية في السياسات وعلى وجه التحديد سياسة التحرير، مبيناً أنها في المقام الأول تؤدي إلى عدم استقرار الاقتصاد، ويتحول النشاط فيه إلى نشاط احتكاري، وهذا ما يجري الآن، قائلا إن الاحتكار يحدد الأسعارفي السوق، وقال هذا ما يؤدي إلى تصاعد الأسعار وتدهور سعر العملة الوطنية، وزيادة معدلات البطالة وأضاف هذه طبيعة سوق نظام التحرير الاقتصادي والنظام الرأسمالي، وقال إذا كان هناك أي اتجاه لمعالجة القضايا الاقتصادية، على الدولة أن تبدأ بتغيير سياساتها، وقال حتى الذين كانوا مسؤولين في السابق عن إدارة الاقتصاد تبنوا هذه السياسات، مثل عبدالرحيم حمدي، قائلاً: هو مهندس سياسة التحرير الاقتصادي والآن أصبح يتحدث عن النواقص والضعف، وقال إن الحل يكمن في التغيير الجذري للسياسات الموجودة الآن
ضعف قدرات
ويرى الخبير الاقتصادي عبدالله الرمادي أن يقف الطاقم المسؤول عن إدارة الاقتصاد سواء في وزارة المالية أو بنك السودان عاجزاً أمام حالة التدهور غير المسبوق في الاقتصاد، الذي وصل إلى حافة الهاوية، وقال إنهم يقفون في حالتي عجز وحيرة واندهاش، قائلاً إن هذا الأمر يعكس حالة ضعف القدرات، لكنه قال من ناحية أخرى وحتى نكون منصفين فإنه لا ينبغي أن يؤخذ وزير المالية ومحافظ بنك السودان كبشي فداء لأخطاء وتراكمات حدثت في السياسات الاقتصادية عبر السنين منذ الاستقلال، وقال إن المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق النخب السياسية عبر الأنظمة لخطأ في رؤيتها بان البلاد يمكن أن تدار من منظور سياسي بحت، وتغليب الرأي السياسي على الاقتصادي، وجعله تابعاً كل مهمته أن يوفر للصرف غير الرشيد والمترهل في نظام مبالغ في ترهله
الصرف على 20 دولة
وقد أوضح أن الاقتصاد السوداني أصبح يتحمل عبء الانفاق على 20 دولة نسميها ولايات، وكل دولة لها رئيسها ونسميه والي ولها مجلس وزرائها وبرلمانها، هذا بالإضافة إلى الدولة الاتحادية برئيس ومجلس وزراء، وقال إن السودان بلغ الرقم القياسي بين دول العالم في عدد الدستوريين، مشيراً إلى أن مجلس الوزراء في السودان يتكون من 80 وزيراً
وقال إن الاقتصاد السوداني يتحمل كل هذا الانفاق، إلا أنه مستنزف لمدة 60 عاماً في حرب لم تتوقف منذ عام 1955، ما قصم ظهره، فتعطلت المشروعات الانتاجية وضعفت قدرات الاقتصاد على توفير حصيلة من العملات الاجنبية وسحبت السيولة من الاقتصاد عن طريق الأوراق المالية متمثلة في شهامة وأخواتها لتوفر موارد للصرف على الجهاز الحكومي، ما افرغ الاقتصاد من السيولة، فعجزت المصارف عن توفير التمويل للمشروعات الصناعية، مما أدى إلى إغلاق 80% من المصانع، وتعطلت كثير من المشروعات الزراعية لعدم توفر التمويل، وقال هذا الأمر حد من قدرات الاقتصاد على النمو وعلى الانتاج، مرجعاً الأمر لتغول الرأي السياسي وفرض سياسات تنهك الاقتصاد دون أخذ رأي الاقتصاديين، فكان التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد حالياً
صحيفة آخر لحظة