فجر فريق دولي من علماء الجيولوجيا مفاجأة من العيار الثقيل، إذ أكدوا اكتشافهم بحراً عتيقاً يعود لعصر الديناصورات، داخل إحدى الطبقات الداخلية للأرض بالقرب من بحر الفلبين، وتشير التقديرات الأولية إلى أن عمر البحر “الخفي” يتجاوز اثنين وخمسين مليون سنة، وهو ما يعد أمراً مثيراً للغاية.
وأشارت الدراسة التي أشرف عليها باحثون في جامعة هيوستن الأميركية بالاشتراك مع جامعة تايوان الوطنية ونشرت مؤخراً بالموقع العلمي الأميركي ” livescience”، إلى أن البحر المكتشف حديثاً تم “ابتلاعه” داخل قاع الأرض بفعل الحركة البطيئة المتعاقبة للصفائح التكتونية فى شرق الكرة الأرضية عبر ملايين السنين.
ما هي الصفائح التكتونية؟
وتشكل الصفائح التكتونية جزءاً رئيسياً من القشرة الأرضية أو الغلاف الصخري المحيط بالكرة الأرضية “الليثوسفير”، وهي 3 أنواع: صفائح قارية أو صفائح محيطية، والنوع الثالث قارية ومحيطية معاً، وتتحرك الصفائح التكتونية ببطءٍ شديد قد يستغرق ملايين السنين، ويصاحب هذه الحركة حدوث الزلازل والبراكين، كما تساهم فى تكوين تضاريس الأرض مثل الجبال والمنخفضات والبحار.
توصل الباحثون إلى هذه النتائج المثيرة بعد ابتكار تقنية مكنتهم من تصوير الصفائح التكتونية التى اختفت داخل قاع الأرض منذ أمدٍ بعيد، مستعينين بصور وبيانات أجهزة رصد الزلازل، واكتشفوا أن إحدى الصفائح المحيطية القريبة من الفلبين، والتى كانت عبارة عن بحر يعود لعصر الديناصورات قد اختفت تماماً وتم ابتلاعها بفعل الزلازل والحركات المستمرة لطبقات الأرض الداخلية التى تشهدها هذه المنطقة.
وكشفت النتائج أيضا أن الطبقة التكتونية البحرية المكتشفة مؤخراً تلتحم حالياً مع طبقات الأرض الخارجية حديثة التكوين 25 صفيحة تكتونية عتيقة من أصل 28، كما ساهمت أيضا فى كشف الكثير من الغموض حول بحر الفلبين والمناطق المحيطة به، حسبما أشار العلماء.
وأوضح التقرير أن علماء الجيولوجيا حاولوا خلال هذا البحث إعادة بناء ومشاهدة الماضي باستخدام التكنولوجيا الحديثة المتوفرة حاليا، حيث قصدوا التعرف على طبيعة وشكل الجبال والبراكين ومصادر المياه التى تكونت منذ ملايين السنين بفعل الحركة البطيئة لطبقات الأرض الداخلية، لافتاً إلى أنهم اختاروا الفلبين بالذات، لأنها من المناطق النشطة زلزاليا، هذا بخلاف أن جميع أنواع البيانات التى سيحتاجها الباحثون خلال عملهم متوفرة للغاية وعبر أكثر من مصدر.
ومن جانبه أشار عالم الجيولوجيا بجامعة هيوستن، والمشرف الرئيس على الدراسة “جوني وو”، إلى أن النتائج التى توصلوا إليها تمثل إضافة كبيرة ذات قيمة لعلم الجيولوجيا، وأنهم سيواصلون أبحاثهم فى المناطق التى تشهد ظواهر كونية غامضة لها علاقة بطبقات الأرض والصفائح التكتونية مثل جنوب أمريكا أو جبال الهيمالايا، كما سيعيدون تقييم النتائج التى توصلوا إليها عسى أن تقودهم إلى أفكار جديدة تكشف الكثير من المعلومات الغامضة حول كوكب الأرض.
وسلط “وو” المزيد من الضوء على الصفائح التكتونية، لافتاً إلى أنه تم اكتشافها فى بادئ الأمر بفضل تقنيات التصوير المقطعى التى ترصد الزلازل، والتى تعتمد على تقييم وتحليل موجات الزلازل عبر الكثير من محطات الرصد المنتشرة حول العالم لتحديد السرعة التى تنتقل بها موجات الزلزال عبر الأرض.
وأضاف عالم الجيولوجيا أن هذه التقنيات ساعدتهم فى التوصل إلى العديد من الحقائق العلمية الهامة حول الصفائح التكتونية، حيث أدركوا أن موجات الزلزال تتحرك أسرع فى الأماكن التي يوجد بها صفائح تكتونية عتيقة تغوص داخل الأرض على عمق كبير، وعبر تحليل هذا البيانات يتمكنون من تحديد عمق الصفائح التكتونية فى أي مكان على سطح الأرض.
وأشاد جمع من العلماء والباحثين بهذه النتائج المثيرة، حيث قال الدكتور سابين زاهيروفيك، عالم الجيولوجيا بجامعة سيدنى الأسترالية، إن هذه النتائج ستُحدث تطورا ملحوظا فى علم الجيولوجيا، وستعمق فهمنا لطبقات الأرض الداخلية، التي تعد الجزء الأكثر تعقيداً في النصف الشرقي من الكرة الأرضية، على حد قوله.
ومن جانبه أشار الدكتور هانز بيتر بانج، رئيس قسم الجيوفيزياء فى جامعة ماكسميليان الألمانية: “هذا الاكتشاف يعد خطوة رائعة، وسيعجل بالتوصل إلى تقنيات أكثر تطورا تعزز فهمنا لطبيعة الطبقات الداخلية للأرض التى نجهل الكثير عنها، هذا بخلاف أنه ساهم فى كشف غموض الكثير من الأمور التقنية المتعلقة بالصور المقطعية التى نحصل عليها من أجهزة رصد الزلازل”.
هافغنتون بوست