مشار في الخرطوم قلق جنوبي في انتظار كلماته

تتفاعل قضية نقل زعيم “الحركة الشعبية” المسلحة النائب السابق لرئيس جنوب السودان رياك مشار إلى الخرطوم، بعدما غادر الأخير جوبا في يوليو الماضي إثر اشتباكات عنيفة بين قواته والجيش الحكومي، على خلفية أحداث القصر الرئاسي التي اتهم بعدها مشار الرئيس سلفاكير ميارديت بمحاولة اغتياله.
وكشفت معلومات نشرها موقع “العربي الجديد” عن أن الإدارة الأميركية طالبت الحكومة السودانية بنقل مشار من الخرطوم التي يُعالج فيها حالياً إلى دولة جنوب أفريقيا. وجاءت المطالبة الأميركية خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قبل أيام إلى نيروبي، حيث اجتمع بوزراء خارجية دول الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا “إيقاد”. وعبّر كيري لنظيره السوداني بروفيسور إبراهيم غندور عن رغبة بلاده بنقل مشار من الخرطوم واقترح جوهانسبرغ. ورغم تأييد واشنطن لمشار وقناعتها بأنه مؤهل لقيادة جنوب السودان أكثر من سلفاكير ميارديت، إلا أنها لا تريد تعقيدات جديدة في العلاقة بين السودان والجنوب يمكن أن تعطل التسوية الجنوبية.
ووفق مصدر في سفارة جنوب السودان في الخرطوم، فإن الحكومة أبلغت النائب الأول الجديد للرئيس الجنوبي تعبان دينق بالخطوة ليلة وصوله إلى الخرطوم في زيارته الأسبوع الماضي، واتفق الطرفان على أن تُصدر الحكومة بياناً توضح فيه أسباب استضافة مشار باعتبارها إنسانية بحتة، بسبب إصابة مشار بالإعياء الشديد نتيجة تقرحات في قدمه.
وأكدت مصادر في جنوب السودان، أن جوبا متخوفة جداً من استضافة الخرطوم لمشار وتنظر للأمر بريبة، رغم الاستقبال الرسمي الذي لقيه تعبان دينق خلال زيارته الأخيرة إلى السودان، رغم اعتراضه على تعيينه نائباً للرئيس بدلاً لمشار.
ورأى مراقبون أن استقبال مشار في الخرطوم فتح باباً للتساؤلات، نظراً للدول الأخرى التي كان يمكن لمشار اللجوء إليها، بينها الدول الأوروبية التي كان يمكن أن يتلقى فيها خدمات علاجية أفضل، إضافة إلى بعض دول الإقليم.
واعتبر المحلل السياسي محجوب محمد صالح أن الخرطوم ملزمة بأن تتمسك بمشار كنائب أول في الجنوب باعتبارها واحدة من دول الإقليم التي ساهمت في وضع اتفاقية السلام الجنوبي، فضلاً عن تمسكها بنشر قوة حفظ السلام، مشيراً إلى أنها تحاول إيجاد توازن بين مواقفها.
وكان مشار يُلاحق بقوة من قِبل الجيش الجنوبي، وأفادت معلومات بأنه تعرّض إلى كمين قُتل فيه نحو عشرة أشخاص من طاقم حراسته، واستطاع مشار، بعد رحلة سير على الأقدام في الأدغال الجنوبية، النجاة. لكن هذا الأمر وفق مقربين من الرجل أنهكه تماماً، وأدى إلى إصابته بتقرحات في رجليه، زادت من حدتها إصابته بداء السكري الذي يعاني منه منذ سنوات.
خلافات أفريقية
أدت عملية نقل مشار بمساعدة الأمم المتحدة وتشاد والسودان إلى دولة الكونغو، إلى أزمة بين الأخيرة وأوغندا، لا سيما أن الكونغو اعتادت على استلام معونات من أوغندا التي لها عداء تاريخي مع مشار، فضلاً عن تأييدها ودعمها اللامحدود لحكومة سلفاكير في جوبا.
وذكرت مصادر مطلعة أن أوغندا قدّمت احتجاجاً رسمياً للكونغو بشأن استضافة مشار، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى اتخاذ خطوات جدية للخروج من الحرج، وأكدت أن تشاد لعبت دوراً في موضوع نقل مشار إلى الخرطوم، إضافة للدور الذي قامت به عند نقله إلى الكونغو.
ويحبس الجنوبيون أنفاسهم في انتظار تعافي مشار للوقوف على ردة فعله، خصوصاً أنه ظل مختفياً منذ يوليو الماضي ولم يعلن أي موقف. وتوقّع محللون أن يتخذ مشار ردة فعل قوية تتركز في الأساس ضد خليفته تعبان دينق، باعتبار أن الرجل طعنه في الظهر واستولى على منصبه في أول فرصة أتيحت له، معتبرين أن سلطات جوبا ستكون الرابح من المعارك الداخلية تلك.
فيما رأى آخرون أن تمتّع مشار بالذكاء وقدرته الفائقة على كتم الانفعالات والعمل بهدوء لتحقيق أهدافه، ستقوده نحو انتهاج خط السياسة الهادئة، مشيرين إلى أنه قد يقتنع بالتنحي عن السلطة في جوبا كإجراء تكتيكي لاستحالة العمل مع سلفاكير بعد محاولته أكثر من مرة قتله، خصوصاً أن مشار يعلم تماماً أن الرئيس الجنوبي لن يُقدم على خطوة التنحي.
مشار والأسطورة
يعتقد البعض أن اسطورة “واندينق” التي تعود لأحد السلاطين في قبيلة النوير التي ينتمي لها مشار وتنبأت بحال الجنوب الحالي، هي التي تقف خلف الحرب الشرسة في الجنوب اليوم، خصوصاً بين سلفاكير ومشار اللذين يتصارعان على السلطة، مع تأكيد مقربين من الزعيمين إيمانهما بتلك الأسطورة.
وتقول الأسطورة التي تعددت رواياتها، ونُقلت على لسان سلطان النوير “واندينق” الذي قيل إنه حارب الاستعمار الانكليزي في السودان، إن حرباً شرسة ستقوم بين السودان الشمالي والجنوبي، ستنتهي بسلام صغير، ثم سلام كبير يتم باكتمال بناء مبنى على شكل “بيضة النعام” (في إشارة إلى برج في قلب الخرطوم شيّده العقيد الليبي الراحل معمر القذافي). ووفق الأسطورة، فإن القائد الجنوبي الذي سيأتي بذلك السلام سيبقى في الحكم أياماً بعدد سنوات حربه وسيحكم بعدها الجنوب أحد أقاربه لفترة قبل أن تشتعل حرب دامية، ينجح في إخمادها وجلب الاستقرار رجل من قبيلة النوير.
يرى المؤمنون بالأسطورة أن 90 في المائة منها قد تحقق ولم يبقَ منها سوى وصول مشار إلى سدة الحكم باعتبار أنه يتمتع بالصفات الواردة في الأسطورة للحاكم المرتقب. ويعتقد البعض أن الأسطورة هي التي تحرك المشهد الجنوبي الحالي، لا سيما أنها برزت بقوة خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً عند نجاح مشار باستعادة عصا السلطان “ماندينق” من متحف في بريطانيا قبل أعوام وإقامة الحكومة في جوبا وقتها احتفالات شعبية لاستقبال تلك العصا، فضلاً عما نشر من تسريبات وقتها من أن سلفاكير حرص على ألا يلمس غريمه مشار تلك العصا.

الصيحة

Exit mobile version