بحكم تاريخي ثان، أثبت القضاء الإداري المصري استقلاله أمام الضغوط التي مارستها السلطة التنفيذية.
فقد قضت المحكمة الإدارية العليا برد هيئة المحكمة التي كان مقررا لها نظر طعن الحكومة على حكم بطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة السعودية التي تقضى بتنازل مصر عن السيادة على جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين قرب الشواطئ المصرية على البحر الأحمر.
ويبدو أن القدر يعاند الحكومة التي أخذت على عاتقها إثبات سعودية الجزيرتين بمحاولة تعطيل حكم القضاء الإداري ببطلان سعودية الجزيرتين من خلال الطعن عليه حتى تتمكن من عرض الاتفاق على مجلس النواب قبل نهاية دورة الانعقاد الأولى له إلا أن الحكم برد هيئة المحكمة حال دون ذلك.
الدائرة السابعة المتخصصة في فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا، برئاسة المستشار الدكتور محمد ماهر أبو العينين، وعضوية المستشارين مجدي صالح الجاحي، وأحمد محمد الإبياري، نواب رئيس مجلس الدولة، قضت بقبول طلب الرد وتنحية المستشار القائم بعمل رئيس دائرة فحص الطعون بالدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا والمستشارين الواردة أسمائهم في طلب الرد في قضية “تيران وصنافير”.
وأقامت المحكمة حكمها على أن حياد القاضي وتجرده من المبادئ الأساسية لأي محاكمة منصفة مكونان أساسيان لاستكمال عدالة القاضي، وفقا لما جاء بالقرآن الكريم من آيات تدعو إلى الحكم بالعدل والحق، مؤكدة أنه لا يمكن تصور استقلال القضاء دون أن يكون القضاء محايدا ومتجردا من الميل لأحد الخصوم.
ووفقا لحيثيات الحكم الذي حصلت عليها RT، تبين المحكمة وهي تنظر طلب الرد، أن أعضاء الدائرة – وبالمخالفة لقانون المرافعات – قد قاموا بالرد الجماعي على أسباب الرد في ذات يوم تقديم طلب الرد بعبارات عامة مرسلة.
وتذكر الحيثيات أن هذا الرد يعد مصادرة على المطلوب ويجعل من الدائرة المطلوب ردها وكأنها حكمت في ما هي مختصمة فيه بالمخالفة للقانون، فضلا عن أن المحكمة التي تنظر طلب الرد طلبت ضم كامل ملف الطعن المنظور أمام الدائرة المطلوب ردها لأن طالب الرد أصر على أن هناك مستندات أودعتها الحكومة أمام الدائرة المطلوب ردها.
وتوضح الحيثيات أن هذه المستندات تبرز صحة ما جاء بطلب الرد المقدم منه لما ادعاه، إلا أن الدائرة المطلوب ردها امتنعت عن ضم المستندات التي قدمتها الحكومة أمامها معللة ذلك بأن هذه المستندات ليس لها قيمة في نظر طلب الرد في حين أن هذه المستندات تم تقديمها من هيئة قضايا الدولة في جلسة علنية أمام الخصوم جميعا، وهو ما يضفي مصداقية حول ادعاءات طالب الرد بوجود أوراق أو توقيعات أو أسماء لأعضاء هذه الدائرة في هذه الأوراق من شأنها أن تعزز طلب الرد المقدم منه.
وتؤكد الحيثيات أنه وبناء على ذلك، فلم يكن في وسع هذه المحكمة إلا إعمال قرينة النكول ومفادها أنه في حالة من كلفته المحكمة بإيداع أوراق أو مستندات ورفض ذلك، فإن المحكمة تحكم لصالح الطرف الآخر وفقا لما جاء بمذكراته مادامت هناك قرائن تدعم صحة هذا الأمر، وقد ظهر للمحكمة أن الدائرة المذكورة قد افتقدت الحيدة الواجبة في نظر الطعن المقام أمامها على حكم محكمة القضاء الإداري، وأن هناك من المودة مع أحد الخصوم يرجع معها عدم استطاعتها الحكم فى هذا الطعن بغير ميل ومن هنا وجب تنحيتها عن نظر هذا الطعن.
ولعل رسائل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التي بعثها خلال حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية –الأسبوع الماضي – ساهمت فى تهدئة الأجواء التي تنظر فيها القضية بتأكيده على احترام القضاء وأحكامه في قضية “ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي انتقلت تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية”، والتي دعا خلالها أيضا السعوديين لأن يتفهموا الموضوع والإجراءات الدستورية في مصر تمامًا.
وأوضح السيسي أن مجلس النواب يُمثل إرادة الشعب وسيكون أمامه فرصة كاملة لدراسة اتفاقية “تيران وصنافير” بشكل عميق، مؤكدا أن اتفاق تعيين الحدود البحرية مع السعودية يشكل فرصة للتنقيب عن الثروات والنفط في البحر الأحمر.
محمد سويد-القاهرة
روسيا اليوم