ابراهيم السنوسي.. ينظف بيته، يغسل سيارته، يسقي أشجاره، له حلقة تلاوة مع خفراء حي الرياض

إبراهيم السنوسي: عبق ممن سبق…
لست ممن يؤهلهم شئ أو يرفعهم مقام للحديث عن الشيخ إبراهيم السنوسي لكنني أتحدث عن بعض ما رأيت فيه في قديم الزمان خلال سنوات الركب القاصد الميمون والموكب المصون بقيادة الإمام الدكتور/حسن الترابي رحمه الله في مواقف شتى حلا وترحالا وحكما ونزالا، وكنت قد كتبت مقالا غاضبا أعاتبه فيه على معارضته لنشر حلقات (شاهد على العصر) لكنني مزقته حتى لا أزيد النكبة حرفا، وآخر على تأخير المؤتمر العام لحزبه ولم أجد سببا يدعوني إلى ذلك فأصحاب الحزب هم وحدهم أصحاب الرأي فيما يخصهم، لكن لم أستطع أن أكتم ما جاش في صدري ظهر الثلاثاء 23/8/2016م.. ، دوي شديد وثقب أسود حدثا بعقلي وبدواخل الكثيرين إذ سمعنا أنه مريض وبذات المستشفى.. زلزلة وقلق.. تساؤلات.. قلبت كل ما سبق ليمثل أمام مخيلتي صافيا أبراهيم محمد السنوسي الرمز والمعنى.. الزمرة والقافلة والأشواق.. الكلمات والإشارات والمغازي.. مثلت أمامي مشاهد السنوسي في حالات، منها:

السنوسي العالم:
كم انفردنا في تسفارنا واستقرارنا بالشيخ إبراهيم.. وكان حين يصفو المقام ويحلو الكلام لا يتحدث إلا عن ذكرى الجهاد والفداء، لكنه شخص آخر عندما يتحدث لك حديث العلم والعلماء، أشهد أن الشيخ إبراهيم السنوسي هو أحد العلماء بكتاب الله الحافظين له رواية وفهما وشرحا ولغة وإعرابا، وإن لم أكن ممن يصنف العلماء ويجيزهم فإنني ممن يتذوق سلسبيلهم.. فإذا تحدث السنوسي يسمعك في القرآن من العلم ويريك من المعالم ما يجعلك تتمنى ألا يصمت، وكم تأسفت وأنا أستمع له أسفا لحرمان الناس من هذا العلم بسبب غطاء السياسة.. تمنيت لو أتاحت له هذه القنوات الفضائية مساحة في هذا الزمن الفقير المتسم بقلة الآداب وادعائها زورا، مساحة يقدم فيها السنوسي للناس تأملات في كتاب الله تنزله على الواقع المرير.. والشيخ إبراهيم لمن لا يعرف له تلاوة خاصة وصوت ونغمة وبصمة متفردة في تلاوة القرآن مثلما للشيخ صديق أحمد حمدون أو الشيخ عوض عمر أو السديس من بصمات صوتية خاصة.. لكن تلاوة الشيخ إبراهيم تدخل القرآن في قلب وعقل السامع، فهو يقرأ القرآن بكل حواسه وأعصابه ليحيا الذكر في تلاوته مقارنة بما لدى الكثيرين.. لم لا والسنوسي هو إبن الخلوة والمسيد وابن القرآن والحلقة، وكونه معلما هو ما جعله يعرف كيف يسقي عقلك بمعاني المثاني والذكر العظيم.. وجه جميل للإسلاميين أرجو أن يبرزه الإعلام لمن عاف السياسة.

متواضع:
الشيخ إبراهيم السنوسي.. يحب البسطاء من الناس وله حلقة تلاوة مع خفراء حي الرياض الخرطومي حيث يسكن، حلقة في الشارع تحت الأشجار، لا يمايز نفسه عنهم، لا يترفع عن خدمة نفسه بنفسه وخدمة الآخرين، ينظف بيته، يغسل سيارته، يسقي أشجاره، بسيط في مأكله ومشربه وملبسه كيفما فهم الناس ذلك وكيفما ظنوا، لم تغره الدنيا وكثرة المناصب والمواقع، لا تشعر برهبة وأنت تجالسه لأنك أمام قائد كبير ومقاتل من أبرز وجوه الحركة الإسلامية يجب أن تطأطئ له رأسك، لأنه لن يعطيك فرصة لتلك الرهبة ويكون قد باغتك بما يشرح صدرك له.. يحب أن ينادي الناس بأحب الأسماء إليهم وربما ناداهم بأسماء محببة من صنعه هو.

الخليل:
كان من الدائرة المقربة من المجدد الإمام الترابي رحمه الله، الذين لا ولن تعرف أيهم الأقرب إليه لقربهم في مقامات القرب الذي يرى من مقامات التقرب، لكنه هو المكنى سرا لدى أهل السر ب(الخليل) لإبراهيمية الإسم وفلسفة الصفة، وذلك يبين الموضع والمقام الذي لم يكن يخفى على أحد..

القائد:
هو أسد الصحراء، غطس في قلب صحراء ليبيا وخرج في قلب الهدف بجيش كامل مقاوما للنظام المايوي قبل المصالحة الوطنية التي تلت ذلك، قاتل جنبا إلى جنب مع عدة أحزاب، هو قائد عسكري فوق كل ما ذكرت.. أدى ما كلف به حرفيا أو ما خطط له مع الآخرين في يوليو 1976م، له دور أساسي في ما قامت به الجبهة الإسلامية القومية في صبيحة الجمعة 30 يونيو 1989 واستمرت عليه لعقد واحد من الزمان شهد ذروة مشاريعها وفشل جل تلك المشاريع ليحل محلها مشروع آخر مغاير كما يبدو، حملت هي أشخاصه على كتفيها إلى السلطة دون أن تعلم.. ركل السنوسي السلطة منذئذ مع الإمام المجدد ولسان حالهم : دعاة لا قضاة..

شجاع:
عندما قسم الخوف على الناس يوم تقسيمه المشهود في ذلك المكان وذلك الزمان لم يكن إبراهيم السنوسي موجودا وبالطبع الإمام الترابي، لذلك لم ينل السنوسي حظه من الخوف، فصدع بدعوته عندما كانت جريمة، وقاتل نظاما عسكريا وضرب بالرصاص وحوكم بالإعدام وسجن طويلا لكن كل ذلك لم يمنعه من أن يتمسك بمبادئه التي عاش عليها ولأجلها دون أدنى تقهقر أو تراجع أو تجمد أو يأس، تنمو فتحصدها الرياح فينصب وإلى ربه يرغب..

كريم…
نعم والله كريم.. ومن أكرم ممن ينفق عمره كله في سبيل مبادئه ومعتقده؟ ويقدم روحه مرات ومرات لا يرجوا الإياب بها، ويفني جسده إفناءا في ذات ليلاه، ويبذل صحته كلها في طريقه الميمم شطر قبلته..

رأيت من أساء إليه ولما نظر بعين الحقيقة والصواب اعتذر له وقبل رأسه، ورأيت من يقيم على ألا يقيم له وزنا لأن العقل منه يرى حسب مدى رؤيته سعة أو ضيقا أو حسب الحال الراهن دون الحال الشامل أو العكس، لكنني أرى فيه وفي من ثبت مثله من جيله بقية مما ترك الإمام المجدد لأمته، نعم لم يكن الخلفاء الأربعة عليهم رضوان الله مثل النبي أصلي وأسلم عليه، ولو جمعناهم في رجل واحد ما بلغ عشر معشار قدر النبي، فلا تطلبوا من إبراهيم السنوسي أن يكون الإمام حسن الترابي، ولا تقارنوه به فترهقوا أنفسكم وترهقوه وتظلموه وتضيعوا أمركم وتنفتنوا، لا تظلموا رجلا دعا الله باكيا أن يلحقه بصاحبيه زهدا في الدنيا ومناصبها.. فالإمام الترابي ظاهرة كونية لن تتكرر ولن تستنسخ، ومركز تقوية وتنقية للإشارة الإبراهيمية مما لحق بها من تشويش في العصر الحديث وليس للمؤتمر الشعبي وأذان للأمة أيقظ فيها عقلها لأن رسالة الدين (لقوم يعقلون) فلا يعطلون عقولهم، دعكم من الخلافة وأحقيتها والتشيعات والتكتلات، لأن لله أقدارا قد لا تشبه أبدا خططكم.

أسأل الله الشفاء للشيخ السنوسي شفاءا لا يغادر سقما، حياه الله وأبقاه لنرى فيه روحا وريحانآ وعبقا ممن سبق، ولا أزكي على الله أحدا (هو أعلم بمن اتقى).

بقلم
أبو سليمان

Exit mobile version