صحافتنا وصحافتهم
لولا يشقون علينا نحن الكاتبين في صحائف الخرطوم – هل هي صحائف؟ لولا يشقون، لتهكمنا من هذا وذاك وتلك وهؤلاء وأولئك والتي والذي و(وأولاد الذين)، وكل أسماء الإشارة والموصول، لكن هيهات أن نفعل والحصار علينا بلغ أشده شاهرًا في وجوهنا ضمائر نصبه المنفصلة والمتصلة (إياك، أياكم… أنت وأنتم)، لكننا لا نسكت مليّا، بل ريثما نتوفر على حيل بارعة، فيا لها من تجربة علمتنا الالتفاف على اللغة وطرقها وترقيقها حتى تصبح طيِّعة صالحة للتهكم منهم دونما (مشاكل).
والحال أن غيرنا يتهكم، ولا كبير على ذلك، فالكذابون ينالون أنصبة مقدرة من السخرية في صحائف (الدنيا) عدانا، وما لا يمكن أن يناله هنا (حتة مسؤول) يقع هناك على أمهات رؤوس الكبار، فها هو زعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربن يوصف بالكذب بعد أن نشر شريط فيديو يظهر فيه، وهو يجلس على الأرض داخل قطار كان يقوم برحلة بين لندن ونيوكاسل (شمال انكلترا)، موضحاً أن هذه مشكلة يعاني منها كل يوم العديد من الركاب. لكن سرعان ما دحضت شركة (فيرجين) التي سافر كوربن على متن أحد قطاراتها إدعاءه، داعمة موقفها بنشر مقطع فيديو التقطته كاميرات المراقبة، أظهر مقاعد فارغة في القطار الذي استقله.
ولأن كوربن من دعاة تأميم قطاع السكك الحديد، فإنه على ما يبدو دبر الأمر وخطط له، إذ أعلنت الشركة في بيان أنه وفريقه وجدوا مقاعد فارغة إلا أنهم فضلوا التوجه إلى (نهاية) القطار حيث افترشوا الأرض وباشروا التصوير.
الآن كوربن في مأزق، خاصة وأنه كان متوجهًا إلى نيوكاسل للمشاركة في مناظرة مع منافسه في حزب العمال أوين سميث الذي يسعى لانتزاع زعامة الحزب منه، وقد اشتغل منافسة على مارشح من (كذبه) ووصفه بأنه غير جدير برئاسة حزب عظيم وكبير كالعمال.
هنا لا أحد يجرؤ على القول دعك على التهكم والسخرية، أن زعماء الأحزاب السياسية (كلهم) غير جديرين بمناصبهم، لأنهم فاشلون ولأنهم لا يكذبون فحسب، بل متخصصون في إنتاج الأكاذيب بدعوى أنها ممارسة (سياسة)، تلك الأكاذيب أصبحت جزءًا أصيلًا من الممارسة السياسية دونها لا يستطيع أحدًا مهما توفر على قدرات وكاريزما ومؤهلات أن يتنسم منصب حزبي أو تنفيذي رفيع في هذه البلاد.
وهناك كذبة صغيرة (بيضاء)، أو تصرف (أبله/ أشتر) يطيح بصاحبه ويرسله إلى لظى، وها هو مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج إن موقعه يعتزم نشر معلومات مهمة تتعلق بالحملة الانتخابية للمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون قبل الانتخابات المقررة نوفمبر المقبل.
ورغم أن لا أحد غير أسانج يعلم ماهية تلك المعلومات إلا أن مراقبين يعتقدون أن مجرد إعلانه عن نيته نشرها ربما أطاح بـ (كلينتون) مبكرًا ووفر فرصة ذهبية لمنافسها الجمهوري المثير للجدل دونالد ترامب للفوز بالسباق الانتخابي الرئاسي.