الراحل حميد حين شكر النيل في قصيدة الضو وجهجهة التساب بعد فيضان 88 (شكراً جزيلاً يا بحر.. رغم الكساد مرق لنا العفن المكرن في الزمن من عهد عاد والضو وليداً ما قرا خرجتو منك باقتصاد.. قانون.. فلك) كان قد سلم بأمر الله وتجاوز هذه المرحلة بالاهتمام بصفات أخرى إيجابية – كما رآها هو – في فيضان النيل المدمر هذا، حيث تحدث عن عدالة البحر (ما أعدلك) وعن ما يتركه الحدث على مرارته من خبرة قد تفيد وتعلم الناس .
وعلى طريقة حميد هذي يجب أن نؤدي الآن ما علينا من مراسم الحزن والألم، لكن أيضاً نشكر هذه السيول والأمطار التي برغم فداحة ضررها وآلامها التي تركتها لكنها كشفت عن فساد وفوضى هنا وهناك في عمليات تنفيذ البنى التحتية بعد كل ما يتم صرفه على هذه البنى التحتية من أموال ضخمة تفوق المليارات في زمان الضيق والتقشف والشح ورفع الدعم عن السلع .
فقبل أعوام كانت أول أمطار الخريف في الخرطوم قد فضحت ضعف المواصفات الهندسية لامتداد جسر السوق المركزي بالخرطوم جنوب بعد أقل من ستة أشهر من افتتاحه وهو الجسر الذي دفعت فيه الولاية حوالي 12 مليارا في ذلك الوقت .
والآن كيف لا نشكر السيول والأمطار بعد أن نتبادل التعازي في ما أحدثته من موت ودمار، وهي وحدها التي كشفت عن خلل كبير يستدعي تحقيقاً عاجلاً ومحاسبة لكل الأطراف المرتبطة بتنفيذ تلك السدود الجديدة التي انهارت في ولاية غرب كردفان والتي كلف تشييدها عشرات المليارات من الجنيهات ..
حيث حدث انهيار جزئي لـ(سد السنوط) بمحلية السنوط، بعد أقل من أسبوع من انهيار كامل لسد (مربوتة) بمحلية الأضية بغرب كردفان والذي تم تشييده بتكلفة بلغت 34 مليون جنيه سوداني .
التلاعب والتهاون في المواصفات ومثل هذا النوع من الفساد أصبح عمره قصيرا حتى ولو غابت عين البشر المراقبة لمواصفات التنفيذ فعين السماء حاضرة وحملاتها التفتيشية لا تستثني أحداً ولا تتعامل مع فساد المواصفات برأفة أو بمجاملة.. تجرف وتهدم كل بناء مائع ضعيف وتفضح ضعف مواصفاته..
تتبنى أكبر حملات مكافحة الفساد بلا لجان ولا هيئات ولا تحلل.. هي السماء التي لا ترحم الفاسدين.. وتضع أمام المسؤولين وقيادة البلاد هذه الملفات القضائية مكتملة وجاهزة فقط للإجراء باستدعاء كل الأطراف من الوالي وحتى المهندس الذي وقع على الاستلام .
السماء تمطر نوعاً من الرقابة الصارمة على الفساد فهل سنرد لها جميلها بإحالتها وإحالة الأمطار وحدها لقفص الاتهام متهماً أولاً أم ستحضرون المتهمين الأساسيين وتحاسبونهم .
لا يجب أن يمر موسم الأمطار والسيول والفيضانات دون الاستفادة من حملته التفتيشية الدقيقة التي يجريها سنوياً على مواصفات الطرق والمباني والسدود والأنفاق والجسور التي يكشف ضعفها وهوانها ذلك السيل الذي هو أصدق أنباءً من التصريحات واللجان والهيئات المعنية بأمر الرقابة على المال العام.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.