السير فوق سلك شائك
* لا يقبل شخص أن تصفه بـ(المنافق)، حتى ولو بصم الناس بالعشرة على أنه يظهر للملأ خلاف ما يبطن.. سيحدثك على الفور عن الغل، وحقد البعض عليه، وحملة استهدافه، ومحاولة النيل منه.. ستسمع العجائب عن تساميه فوق الجراح، وترفعه عن مطاردة الأقاويل والاتهامات والظنون.. ستقف مذهولاً أمام الحديث عن كريم خصاله وندرة أمثاله..!!
* تطور المجتمع عندنا بشكل مدهش بحيث لم تعد الخطورة في (النفاق) الذي لبس أردية معانٍ مختلفة، وبات يمثل نوعاً من الرقي والفهم المتقدم والتواصل مع الآخر والذكاء الاجتماعي، ولكن الخطورة الحقيقية تكمن في كيفية الوصول إلى (أسلوب بديع) تستطيع من خلاله إقناع (المنافقين) بأنهم ليسوا بمظلومين حتى يتنازلوا قليلاً ويتكرموا على الناس بفضيلة (التسامح)..!!
* هل سبق لك أن سألت نفسك: (كم مرة تنافق في اليوم..؟؟ مع العلم بأن التعريف الوحيد المعتمد للنفاق حتى الآن هو إظهار المرء لخلاف ما يبطن، وآية المنافق ثلاث: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)..!!
* دعك من الإجابة عن السؤال أعلاه، فهو محرج بعض الشيء وربما يفضي لمنافقتك لنفسك.. ودعنا نسألك بصراحة (غير محرجة): (كم هو عدد المنافقين المحيطين بك ؟؟..كم منهم ينافقك شخصياً لسبب ما وأنت تشعر بذلك وتتظاهر أمامهم بعدم إدراك حقيقتهم ؟؟.. وكم عدد الذين تراهم ينافقون آخرين أمامهم رغم ما يقولونه عنهم خلف ظهورهم ؟؟).
* تزايد أعداد المنافقين بمجتمعنا (المتسامح) يذكرني بقصة الكاتب الذي ألف رواية بعنوان (نصف لص)، وبدلاً من أن يسند مهمة (تقديم الرواية) لشخص ما، فعل ذلك بنفسه على غير ما اعتاد أن يفعل في جميع رواياته السابقة، وبرر خطوته تلك بقوله: “بحثت عن (نصف لص) ليقدم لي الرواية، ولكني للأسف لم أجد أحداً فكل من حولي (كاملو اللصوصية)..”!.
* ما دعاني للحديث أعلاه حوار خاطف جمعني بفنان معروف، انتقدت بشفافية بعض مواقفه المحشوة بأبعاد سياسية، وأدرجت كثيرا من أفعاله المضطربة تحت قائمة (النفاق السياسي)، وأدهشني بأنه يرى (نفاق الفنانين السياسي) وترويجهم لشعارات هم غير مؤمنين بها وقيادتهم لحملات انتخابية من أجل المصلحة الخاصة والمال وكسب ود السلطان لا يمثل نفاقاً كاملاً، إنما يعتبر ذلك (نصف نفاق) اقتضته الضرورة ومتطلبات الحياة وتذليل العقبات ودواعي تجميل الصورة..!!
* إذا صحت فرضية وتحليل صديقنا المغني صاحب المواقف السياسية المرتعشة، فإن من يكتب رواية بعنوان (نصف منافق) لن يعاني في الوصول لمن يقوم بكتابة تقديم الرواية، فبدل الفنان هناك عشرة تنطبق عليهم مواصفات كتابة المقدمة..!!
* قلنا من قبل كثيراً إنه بإمكان أي فنان أن ينافق حزباً أو مؤسسة أو كياناً أو نظاماً أو حكومة أو رأسمالياً، ولكن لا يوجد فنان واحد يمكن أن يقبل منك أن تصفه بنصف منافق وإن كانت مواقفه كاملة النفاق؛ (حتى ولو كان شعبان عبد الرحيم)..!!
* أشفق على من ينافق شخصاً، وأشعر بأن أحاديثه وجلساته وإحداثيات حياته أشبه بالسير فوق سلك شائك، وأسأل نفسي: (لماذا يا ترى يرهق هذا المسكين نفسه، ويضغط على أعصابه، ويتلون ساعة تلو الأخرى.. هل تساوي المصلحة التي يجنيها من النفاق ألم إتلاف الأعصاب؟؟).
* إن الوضوح نعمة لو عرفوا قيمتها لقاتلوا عليها بالسيوف..!!
* لا يسدل الستار على موضوع نفاق الفنانين من دون الوقوف عند القصة الشهيرة لمجموعة من المغنين أعدوا أغنية لتمجيد انقلاب هاشم العطا وثورته التصحيحية وذهبوا للإذاعة لتسجيلها وبينما هم يرددون مقطع:
(هاشم العطا صحح الخطأ).. إذا بجلبة وضوضاء داخل مباني (هنا أم درمان) فأوقفوا التسجيل وسألوا مراقب الإذاعة: “الحاصل شنو يا أستاذ..؟؟”.. فقال لهم: “نميري عاد للحكم وقوات الأمن جاءت لإذاعة البيان”، وما كان من (فناني الثورة التصحيحية) سوى مواصلة تسجيل أغنيتهم مع (تغيير طفيف) ليصبح مطلع الأغنية:
(هاشم العطا جيتنا بالخطأ)..!!
نفس أخير
* ولنردد خلف عبد الله البشير:
أنا في هواك درويش غرام..
ما الشوق بحر ما ليهو حد
مالو لو طيفك يزور..
أو مرة شخصك جاني جد..
كان استرحت من العذاب.. كان هل لي نجم السعد