بعد انهيار المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال والحركات المسلحة ظننا أن الانهيار لن يكون بعده بناء، ولكن أعلنت الحكومة قبل يومين أنها سوف تستأنف المفاوضات مع الحركة خلال الأسابيع القادمة، فحالة (الحرد) وحمل الأمتعة ومغادرة فنادق التفاوض والعودة من جديد أشبه بحالة المرأة التي تختلف مع زوجها وتحمل عفشها وتقود أولادها وتذهب إلى بيت أهلها، فتطن أن الرجل والمرأة لن يلتقيا مرة أخرى ولن يكون بينهما تفاهم أبداً، ولكن ريثما يعود صوت العقل للرجل أو المرأة أو بواسطة أهلها، تعود المرأة من جديد إلى منزلها وهي أكثر ابتسامة، فالحركة الشعبية التي ظننا أن هذه الجولة هي آخر الجولات أو ستحمل ورقة الطلاق النهائية، أعلنت العودة إلى طاولة المفاوضات من جديد، طيب إذا كانت هنالك روح للالتقاء وروح للعيش سوياً فلماذا تعكير الأجواء؟ لماذا هذا النفس الحار؟. لماذا هذه اللغة التي لا يستطيع أحد أن يبلعها؟.
إن مصير الحركات المسلحة ومهما وصل بها الاختلاف مع الحكومة الحالية أو أي عضو من أعضائها ستعود طائعة مختارة .. عن طريق الوسيط، أو عن طريق المجتمع الدولي الذي ظل يصرف عليها ملايين الدولارات، فالحركة الشعبية وأعضائها لم يبق من العمر ما يجعلهم يقيمون في فنادق العالم ويأكلون من موائد الآخرين، فإذا كانت لديهم الرغبة في مواصلة الحوار للوصول لاتفاق نهائي ينهي الحرب ويعود الصفاء لأبناء الوطن الواحد، يجب أن تكون الجولة القادمة هي آخر جولات التفاوض بين الطرفين، ولنا في مفاوضات نيفاشا عظة وعبرة، فكيف كان الدكتور “جون قرنق” متعنتاً في مواقفه تجاه أي شمالي وليس حكومة الإنقاذ وحدها، لقد عارض الحكومة الانتقالية ووصفها بمايو(Tow) أي مايو الثانية.
وظل في تعنته حتى الديمقراطية الثالثة وكانت إذاعته تلعلع من مناطق التمرد المختلفة، وكان دكتور “جون قرنق” وكتيبته (المعصلجة) ناس “ياسر عرمان” و”الحلو” و”مالك عقار”، – الآن- رافضة السير في طريق السلام، كان بعد أن تم الضغط عليه من المجتمع الدولي عاد طائعاً مختاراً ووافق الجلوس على مائدة التفاوض مع النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق “علي عثمان محمد طه” واستمرت المفاوضات حتى كللت باتفاق (نيفاشا) وعاد دكتور “جون قرنق” وجلس مع الذين كانوا رافضين الجلوس معهم ودخل القصر نائباً أول لرئيس الجمهورية، ويبدو أن الليلة ستكون أشبه بالبارحة وربما تكون الجولة المعلن عنها هي الجولة الأخيرة في عملية التفاوض مع الحكومة، وإلا لما استجابت للجلوس مرة أخرى بعد أن انهارت المفاوضات الأيام الماضية، فمن مصلحة “ياسر عرمان” و”الحلو” و”مالك عقار” إنهاء هذه الحرب، لأن ما تبَّقى من أعمارهم ليس أكثر مما مضى، فلمصلحتهم ولمصلحة الأجيال القادمة يجب إنهاء الحرب والعمل على تحقيق السلام.