* فلئن كان يؤرخ لاستقلال السودان بلحظة رفع الزعيم الاتحادي إسماعيل الأزهري، علم الاستقلال فوق سرايا القصر الجمهوري، ففي المقابل، فإن حزب الأمة القومي هو الآخر، سليل آباء كان لهم شرف رفع راية (الدولة الإسلامية المهدية)، التي اهتزت لها أركان الدنيا!! فلن يستطيع أحد – والرايات هذه والأعلام – أن يجرد الحزبين الكبيرين من ذلك التأريخ الباهر، بيد أننا تمنينا دائماً لتلك (الأعلام والرايات) العظيمة، أن تشهر بذات الألق والشموخ القديم والسطوع، وأن يستمر الحزبان الكبيران في ممارسة صناعة التأريخ!! غير أن الذي يتابع ما يجري على الساحة الوطنية سيرى تراجعاً كبيراً لا محالة لأدوار هذه الأحزاب، ذلك لدرجة الذهاب في ركاب (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا تلك الأعلام والرايات)!! فكل الذي يصنع الآن في أروقة (الحزبين الكبيرين) بالكاد لا يتعدى حالة التسفار والترحال!! خروج المهدي وعودة الميرغني!! أو العكس خروج الميرغني إلى البلاد وعودة المهدي!! أو خروجها معا وعودتهما معا !!
* قال الإمام الصادق المهدي منذ فترة قريبة، إن كل دواعي الخروج قد نفدت، وإن الحزب قرر عودته إلى أرض الوطن!! ومن جهة أخرى، تتزاحم هذه الأيام صحفنا وقروباتنا وأسافيرنا، الكتف بالكتف والحافر بالحافر، وهي تنقل خطوات عودة مولانا محمد عثمان الميرغني، التي يبدو أنها ستتم على شوطين، الشوط الأول العودة من لندن إلى القاهرة، على أن يكون الشوط الحاسم من القاهرة إلى الخرطوم!! فإن لم يكن لك ما تنتجه مع الآخرين فسافر.. سافر قوم سيب الخرطوم !!
سافر تجد عوضا عمن تفارقهم
وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
فالأسد لولا فراق الغاب ما افترست
والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والتبر كالترب مُلقى في أماكنه
والعود في غابه نوع من الحطب
* تجدني حزيناً جداً أن تنتهي هذه الأحزاب التأريخية الكبيرة إلى (أدب الرحلات)!! وتكتفي من الفعل الوطني بغنيمة الذهاب والإياب!! فهل أصبح كل ما يستطيع أن يشارك به الزعيمان التأريخيان، هو صناعة خطوط صحيفة بأنباء مغادرتهما وعودتهما !!
* فعلى الأقل إن الديمقراطية التي ينشدها الحزبان ويهتفان باسمها في كل المحافل، تبنى في المقام الأول على أحزاب قوية، تمارس الديمقراطية داخل أجهزتها قبل أن تصدرها إلى المؤسسات الأخرى، فقديما قيل إن فاقد الشيء لا يعطيه!! ثم بعد ذلك لتنتهي حالة الترحال لعقد المؤتمرات وصناعة البرامج والمشاركة الوطنية الفاعلة !!