دحض خبراء اقتصاد فكرة وزير المالية الأسبق عبد الرحيم حمدي الاقتصادية التي تدعو إلى ضخ مزيد من النقد في السوق والتوسع في شهادات شهامة باعتبارهما جزء من الحلول الاقتصادية، وقالوا “كفانا تجارب” واصفين الخطوة بأنها تكرس لزيادة الإنفاق والتوسع النقدي يعني معاناة أخرى للاقتصاد. وكانت ندوة “الجنيه السوداني إلى أين” التي نظمها مركز التنوير المعرفي أمس شهدت حضوراً نوعياً من الاقتصاديين إلا أنها لم تحظَ بحضور مقدميها وزير المالية بدر الدين محمود ومحافظ بنك السودان المركزي عبد الرحمن حسن كما أن الدكتور الطيب إبراهيم محمد خير رئيس مجلس أمناء المركز مقدم الجلسة لم يفصح عن الأسباب التي أدت إلى غياب أساس الندوة إلا أنه حاول جاهداً التأكيد أن الاقتصاد مازال بخير.
ولم يتوانَ الوزير الاقتصادي الدكتور حسن أحمد طه المفاوض الحكومي لانضمام السودان لمنظمة التجارة الدولية أن يصف أطروحة “عراب سياسة التحرير” بأنها تؤدي إلى تضخم ربما يصل بسعر الدولار إلى أكثر من مائة جنيه وقال: “تلك الوصفة تجعل كل شخص يدفع ضريبة غير مجازة بتشريع”. وأضاف: “أعتقد أنها سياسة جربت وعملنا بها لفترة فلا نريد حلولاً يسيرة
حينما نخدع الناس بحلول سهلة تكون العواقب وخيمة”.
وقال أن القضية الأساسية تتعلق بالإنفاق الحكومي حيث نتصرف وكان الوضع طبيعياً في وقت رفعت الحكومة الدعم والضرائب ولم تخفض إنفاقها ولم تنظر إلى العبء الذي يتحمله المواطن. مبيناً أن انفصال الجنوب أفقد السودان 89% من موارد النقد الأجنبي و40% من الإنفاق الحكومي كما أن تنفيذ البرنامج الثلاثي كان الأسوأ في وقت رفض الجهاز التنفيذي في فترة سابقة أي حلول لاستغلال مبالغ البترول في البنية التحتية بدعوى ضعف المرتبات في كل القطاعات ما أدى إلى التوسع في الاستهلاك وقال: “بعد أن كنا نستورد بمبلغ 2 مليار دولار أصبحنا نستورد بـ12 مليار دولار وفقدنا القدرة التنافسية لصادراتنا”.
وقال: “لا نخدع الناس بحلول سهلة تؤدي في نهاية الأمر إلى تضخم جامح ولكنا نريد برنامجاً للمعالجة الحقيقية”. ودعا إلى زيادة الضرائب باعتبار أن السودان من أضعف الدول نسبة في الضريبة 7% في إفريقيا وأرجع ذلك إلى حصر الضريبة في شريحة محدودة، مؤكداً أن المسجلين في الرقم الضريبي يبلغ عددهم 142 ألف شخص في ظل تعداد سكاني يبلغ أكثر من 30 مليون شخص لذا تأتي الشكوى ولابد من إعادة ترتيب الأولويات.
الإنفاق مستمر
وقال: “لن ينخفض الدولار دون تخفيض الطلب العام فإذا لم نخفض الإنفاق خاصة وأن جزءاً كبيراً من الطلب على الدولار حكومي والآن لدينا أسعار متعددة للدولار، سعر الصادر وسعر البنك والدولار الجمركي”. مشيراً إلى إقرار المركزي لسعر آخر في الصرافات بواقع 14.5 بمنشور رسمي، وقال: ” أنا مع تحرير السعر واتخاذ تدابير علاجية”. مؤكداً أن نقص النقد الأجنبي خلق مشكلة كبيرة في استيرادنا للبترول حيث تصل نسبة هامش الربح في بعض الشركات إلى 26% ما يزيد من تكلفته. كما دعا إلى إعادة النظر في أمر الكهرباء بإصلاحات حقيقية مضيفاً: “إننا نستورد كهرباء من إثيبوبا بواقع 2 سنت للكيلو في وقت يصل الكيلو واط من مروي بـ5 سنت ولابد من مراجعة التكلفة”.
وأشار إلى خروج العقوبات الأمريكية الأحادية من الولايات المتحدة وأصبحت عقوبات دولية امتدت إلى الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة وكل البنوك التي تعاملت مع السودان تم تغريمها بواقع 18 مليار دولار من ضمنها بنك باركليز حتى البنوك الخليجية أصبحت تتردد كثيراً في التعامل معنا.
انهيار اقتصادي:
الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي قال: “إن الاقتصاد على شفا انهيار اقتصادي وإن المشكلة ليست في الاقتصاديين أو الإمكانات”. وقال: “لا توجد دولة تستنزفها الحرب لمدة ستين عاماً وتصمد إلا السودان ولكن دون أن يلتفت الى ذلك أحد ولذا نحن في حاجة إلى إدارة الاقتصاد على أنه اقتصاد حرب بإيقاف الترف والإنفاق غير الرشيد وينبغي إدارة الاقتصاد بدرجة من التقشف والجدية”. وأضاف: “أين نحن من ذلك؟ طالما الباب مفتوح تحصل على الدولار وتستورد ما تشاء وتنفق كيفما تشاء وان العربات الحكومية تستهلك ما نسبته 70% من الوقود”.
إلا أنه يرى أنه ولمدة ستين عاماً لم نستطع إيقاف النزيف وأي معالجات غير مجدية باعتبار أنه ومنذ الاستقلال المشكلة الاقتصادية تكمن في النخب السياسية وليس عجزاً في الإمكانات أو الاقتصاديين.
وجهة نظر
وقال: الاقتصاديون أنفسهم أحياناً يختلفون في الرأي وهو علم، البدائل تأتي باختلاف وجهات النظر ولكن حينما تشطح وجهة عن أخرى ينبغي أن تستبعد، في إشارة إلى وجهة نظر حمدي الأخيرة، لكنه يرى أن حمدي وعبد الوهاب عثمان أفضل وزيري مالية مرا على تاريخ السودان وأضاف: “هذا خطأ وقرار كارثي -ضخ سيولة وتوسع فى شهامة- وأكبر خطأ هو تحرير سعر الصرف”. وزاد: “الكبير غلطته كبيرة”. مبيناً أن الحكومة تصرف على 20 دولة “ولايات” وهذا الإنفاق هو أس البلاوي فكلما توسعت الحكومة ضعف الجنيه وزاد الصرف باعتبارهما وجهان لعملة واحدة مما جعل الاقتصاد يصل إلى مرحلة الركود التضخمي.
انفاق سوداني
ويرى الرمادي أن الانفاق الحكومي يضر بالاقتصاد من جانبين أحدهما سحب سيولة من الاقتصاد عبر شهامة وأخواتها “ابتلاء” -حسب قوله- انتهزها السياسيون الذين شجعوا البنوك للدخول في شهامة وشراء الشهادات فتحولت البنوك عن هدفها في دعم الإنتاج وبدأت الحكومة تصرف حتى ودائع الجمهور في الـ20 دولة. هذا إنفاق لا تقابله خدمات حقيقية تضاف للناتج المحلي الإجمالي فكلما زاد عدد السياسيين زاد التضخم وتدنت العملة الوطنية.
مدير إدارة الاستثمار بجهاز المغتربين يقول إن الجهاز أصبح يمثل دور الشرطي عقب العام 1981م حينما فرضت ضرائب على المغتربين وقال إن سياسة التحرير زادت تحويلات المغتربين في العام 2010 وصلت إلى 3.5 مليار دولار والآن تراجعت ووصلت في بداية العام 2015م إلى 100 مليون دولار وإن التحويلات خارج النظام المصرفي تقدر بـ6 مليارات كلها تدخل في شكل سلع ودعا الى سعر تشجيعي يعادل الموازي يكون قناة تفتح المزيد من التحويلات.
بأي سعر
أما عضو الأمانة العامة لغرفة المستوردين فيرى أن أهم الأسباب التي دفعت بالدولار إلى الصعود هو شراء شركات الاتصالات للدولار من السوق بأي سعر بجانب تدخل السماسرة والعمالة الأجنبية إضافة إلى وجود استثمارات خارجية تعمل في السودان في مجال المطاعم والطوب واعتبر الاستدانة من الجمهور غير مجدية في ظل فقدان العملة لقيمتها، مؤكداً أن الاستيراد ليس السبب الأساسي في تدهور قيمة الجنيه.
الخرطوم :عاصم إسماعيل
صحيفة الصيحة