إن أداك وكتر ما بقول أديت
الأسد الموشح كلو بابسوميت
أب رسوة البكر حجر شراب سيتيت
كاتال في الخلا عقبالا كريم في البيت
على الأقل في هذي الربوع، إن الذين يراهنون على ثقافة (كناتين التجزئة العشائرية)، المتقاتلة المتقاطعة، خاسرون وواهمون!!. فأثبتت الشدائد إنه إذا أصيبت هذه الضفاف بنزلة برد، عطس لها أهل الساحل وكل الشرق، وإن غضب القاش يوما ونسي عشرة سني الملح وسنان الكفاح، فللنيل كلمة ود ووصال وإصلاح وتصالح وتصافح وهتاف !!
* لم يركب وفد (قبيلة الانقرياب) الأسبوع الفائت على متن صلة القربى والأرحام فحسب، وهو يسير قافلة صلة ومؤازرة لأهلنا بمنطقة همشكوريب بشرقنا الحبيب أثر تعرضهم للفيضانات، بل ركب أحفاد عبد الله جماع على خيل المروءة والشهامة والتاريخ وهم يقطعون الأودية واحدا بعد الآخر، حتى بلغوا مشيخة علي بيتاي على سفح هضاب الشرق !!.. فأمكن لأهلها الشرفاء من شرف شرب القهوة (برطب الباوقة)، وهنا مكمن بلاغة الجود، بحيث يمكن لأية بادية أن تأتي بالدقيق الفينو وقماش النصاري كما الكابلي في بردته الغنائية.. على لسان الشيخ.. يوم جا للبقعه وجالها كمل قماش النصاري..!! غير الأبلغ من ذلك هو أن تجود بغرس أرضك، والأبلغ من كل ذلك أن تركب الصحاري والضهاري وتقدمها كفاحا بنفسك!!.. هذا ما فعله السيد فتح الرحمن محمود رئيس مجلس شورى الانقرياب وساعده الأيمن الصحفي بابكر حاج الحسن، وهما يقودان القافلة حتى لا تكون مجرد مرسال بارد!!..
والشرق بالشرق يذكر.. كنا ذات يوم أثير نحل ضيوفا على قضروف ود سعد، عندما أقام لنا الوالي كرم الله عباس بمنزله وعلى نفقته مأدبة باهظة، فلاحظت أن أحد الأعراب ممن يتوشحون بالثياب البلدية في تلك الليلة السمراء، لاحظت أنه يتعهدني شخصياً ويقف عند مقعدي يحمل (جردلا مليئا باللحم وكمشة).. ولسوء حظي وحظه أن الود بيني وبين اللحوم تاريخياً يكاد يكون معدوما، فكلما نقص اللحم على مائدتي باغتني الأعرابي بكمشة لحم باهظة!! ولاحظ الأخ الوالي كرم الله الذي يقف هو الآخر على رؤوسنا، لاحظ تبرمي فقال، يا صاحب الملاذات إن الرجل الذي يقف على خدمتك لم يكن إلا الشيخ الهداب ناظر عموم الهدندوة بالقضارف!! فأكبرت الأمر وعظمته أن يخدمك رجال في مكانة هؤلاء حفايا، ولا يأكلون الطعام إلا بعد إكرام آخر ضيف!!
* للانقرياب الذين ترعرعوا على شاطئ النيل هنا قبيل تضاريس الشلال الخامس، قصص وتراث ونحاس وسيف وتاريخ وحضارة ، وأشواق طفقوا (على وعي هذا الجيل) يشهرونها ويعبرون عنها بقيم الانفتاح والتواصل، فلم تكن حملة همشكوريب إلا حلقة في منظومة عقد من (جواهر قيم ضواي وباهر)!!.. الانتظام في مجلس الشورى، والتمثيل الأعلى في منظومة العبدلاب الكبري، والذهاب في المرحلة القادمة إلى ثورة الخدمات وتكوين الجمعيات وتبني المشروعات، والإسهام في تمتين النسيج الاجتماعي السوداني المتعاون المتصالح!! فللذين يقرأون بتطرق، إن مملكة العبدلاب هي المملكة الأولي في السودان، التي رسخت وجمعت (لصناعة السداناوية) كما حلف (عبد الله جماع وعمارة دنقس) ولم تعمل يوماً لإثنية خبيثة!!
* غير أني هنا معني أكثر (بقافلة الشرف) إلى أرض القرآن، حيث كان الاستقبال والترحيب بقامة الشرق الأبي وهامة حملة القرآن، وبيارق السلطان ممثلا في معتمد همشكوريب الهمام العميد محمد عيسى، والأشراف يوسف والسر وعلى وأبو علي (آل بيتاي) وما أدراك ما آل علي بيتاي، وبذات الحماس كان الوداع، بحيث بقيت الرسالة التي خلفتها هذه الملحمة أعظم من حمولتها، فكتبت (قافلة الانقرياب) بدم الوصل ودموع الوصال، وصلة حب ستبقى ما بقي الزمان، ويذكر في هذا السياق استقبال مشيخة البدري ببربر لوفد همشكوريب الطلابي الذي رافق رحلة العودة، وإكرامهم بمنح دراسية مجانية بجامعة البدري وتلك ملحمة أخرى سنعرض لها في حينها!!
* (فباكر يعود النقاش) كالسيف إلى غمده ويهدأ النيل وتشتعل أواصر القربى بالهتاف.. الشرق أتى والنهر أتى وتلاقت قمم يا مرحى.. ولما يحتدم بعض وطيس المزاج القبلي كنت أمازح بعض أصدقائي بهتافات (سنبنيها دولة العبدلاب الكبرى من البحر إلى النهر وعاصمتها قري)!!
* شكراً لكل الذين جعلوا هذا المداد يتدفق مترعا.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..