يظل قطاع المال والأعمال في لندن وفي المملكة المتحدة شأنه شأن بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى جزءا من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
وبالرغم من افتقار قطاع الخدمات المالية للمرونة وانطوائه على بعض القيود ذات الصلة بالحدود الجغرافية، بالمقارنة مع قطاعات أخرى مثل قطاع التصنيع على سبيل المثال، إلا أن حي المال والأعمال في لندن كان سعيدا إلى حد كبير بذلك الوضع.
ويوجد في لندن أعداد كبيرة من البنوك والشركات العالمية التي قررت تشغيل مقارها الأوروبية في العاصمة البريطانية للاستفادة من الانفتاح على باقي دول الاتحاد الأوروبي وغياب المعوقات والحدود التي قد تحول دون بدء العمل في أي من تلك الدول.
ولذلك، أيدت الخدمات المالية، وإن لم يحدث ذلك بالإجماع، خيار البقاء في استفتاء حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
وبالطبع فإن العديد من أصحاب الأعمال والاقتصاديين يعتقدون أن الاقتصاد البريطاني سيشهد انتعاشا خارج الكتلة الأوروبية.
من هنا ينطلق جدل جديد حول الاتفاق الذي من الممكن أن تتوصل إليه الحكومة البريطانية مع الاتحاد الأوروبي من خلال مفاوضات إجراءات الانفصال الرسمي.
فهل تكون لندن كأي جزء آخر من بريطانيا يسري عليها ما يتفق عليه الجانبان أي تكون جزء من اتفاق شامل، أم يكون لها وضع خاص في تلك المفاوضات من أجل استمرارها مركزا عالميا للخدمات المالية والمصرفية؟
وفيما يبدو أن الاتفاق الذي سيكون الخيار الأفضل للقطاع المالي، هو استمرار بريطانيا ضمن السوق الأوروبية الموحدة التي تضمن لها الاحتفاظ بكثير من المزايا التي يتطلبها القطاع المالي التعاملات المالية والتجارية من أي تغيير يتفق عليه.
لكن هذا الوضع الخاص للقطاع المالي الذي يضمن احتفاظ لندن بالمزايا التي تتمتع بها التعاملات المالية والتجارية بين بريطانيا وباقي دول الاتحاد الأوربي يبدو صعبا عند الرجوع إلى تصريحات رئيس الوزاء تريزا ماي التي قالت “الخروج يعني الخروج”.
النموذج السويسري
كانت لندن تتحسس موطأ أقدامها نحو نموذج يبدو أنها أصبحت على قناعة أنه لن يناسبها، وهو نموذج سويسرا التي يعتبرها العالم، لا أوروبا فقط، مركزا ماليا عالميا.
فتصريحات ماي التي أطلقتها بخصوص الاتفاق المستقبلي للانفصال أضاعت أي أمل في أن يتكرر النموذج السويسري، إذ قالت: “مع اتخاذ الكثير من المصوتين القرار بالمغادرة لحفاظ على أموالنا واستقبال أعداد أقل من المهاجرين، سوف يكون ثمن عضوية السوق الأوروبي باهظا إلى حدٍ غير مقبول.”
في المقابل، يتضمن حل الوضع الخاص، على غرار النموذج السويسري، إبرام عدد من الاتفاقيات المنفصلة تغطي الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
وهذا هو ما فعلته سويسرا بنجاح لتتحول إلى اقتصاد مزدهر، لكنه حل ينطوي على مخاوف تهدد قطاع الخدمات المالية في بريطانيا.
فلندن تحتاج إلى اتفاقيات أفضل من تلك التي توصلت إليها سويسرا مع الاتحاد الأوروبي. وأفضل مثال يوضح حاجة لندن إلى اتفاق مختلف هو أن الشركات والبنوك الدولية الكبرى جاءت إلى لندن لتتمكن من ممارسة أعمالها في أي مكان في الاتحاد الأوروبي، علاوة على تشغيل المؤسسات في سويسرا أيضا.
ولا يعطي التعامل مع البنوك السويسرية الحرية الكاملة للعملاء في التنقل وممارسة العمل في جميع أنحاء أوروبا، وهي الميزة التي تمتعت بها بنوك لندن وتفوقت بها على سويسرا.
كما ينبغي عند اختيار هذا الحل أن تُجرى المفاوضات بحرص شديد وعزيمة حديدية حتى تحتفظ لندن بتلك الميزة التنافسية وتحتفظ بمكانتها كمركز مالي عالمي.
ويعمل بقطاع الخدمات المالية في بريطانيا نحو 2 مليون شخص، كما أن المؤسسات العاملة في هذا المجال تسدد ضرائب أكثر من نظيراتها في القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وهناك أيضا تلك الرغبة لدى المراكز المالية المنافسة مثل باريس، وفرانكفورت، وأمستردام في الحصول على نصيب لندن من سوق الخدمات المالية حال فشلها في الاحتفاظ بمكانتها العالمية.
BBC