داعية إسلامي: تنتابني ظنون بأنني مراقب من قبل هؤلاء
ربة أسرة: حركتنا أصبحت محدودة وحريتنا مسلوبة
رئيس لجان الحسبة والمظالم: التغيير بيد الحاكم ونحن لا نملك سوى النصح والتزكية
قانونى: توجد تجاوزات والمواطن يجهل حقوقه ولائحة البناء أضحت فوق القانون
في حادثة قد تبدو غريبة وغير مألوفة، فإن رجلاً ستينياً وضع كاميرات مراقبة علي نوافذ حجرته التي تقع في الطابق الثاني في بناية فخمة يمتلكها وسط حي شعبي وقد وجه عدستها نحو منزل عادي وظل يرصد حركة الفتيات، إلا أن إرادة السماء شاءت ان يتم كشفه، ورغم صعوبة تعميم هذا السلوك الخاطئ على كل من يقطن بناية عالية في حي شعبي إلا أن مواطنين بدأوا يجأرون بالشكوى من تشييد بنايات شاهقة في أحياء عادية ويعتبرون ان في هذا انتهاكاً لخصوصيتهم.
محاذير ومخاوف
وفي هذا الصدد يؤكد أمام مسجد وقانوني ومعلم تربية إسلامية بالمدارس الثانوية (خالد عبد الصادق) يقطن بحي أركويت، معاناته من المباني المرتفعة، لافتاً الى ان منزله يتوسطه من كل الاتجاهات، ولهذا السبب فكر في بيعه والانتقال إلى منطقة أخرى، ويكشف أن أركويت كانت منطقة عادية إلا أن الحي ومع مرور الزمن تطور وأصبح متطاول البنيان، وأردف في قوله لـ(الصيحة): إن السودانيين شعب متسامح لذا فإنه يتحمل مكرهًا تجاوزات البعض خاصة عندما تأتي من جاره، غير أن معلم التربية الإسلامية يشير الى أن الشكوك دائماً ما تساور من يقطنون في منازل عادية من الذين يتخذون البنايات العالية مستقراً، وقال إن هذا الإحساس يجعل الحركة في المنازل العادية محفوفة بالمحاذير والتقييد خاصة فيما يتعلق بالنساء، ورجح وجود من يختلس النظر من بعض البنايات العالية، مبيناً تعرضه لموقف مشابه حينما أخبره أحد جيرانه أن منزله مكشوف لمن يوجد في العمارات العالية، وقال ان السودانيين يتحرجون من تقديم شكوى ضد الجار الذي يقطن في بناية عالية وذلك خوفاً من الاتهام بالحسد بالاضافة الى حرص البعض على استمرار العلاقة الطيبة مع الجيران، وقال إن المشكلة الحقيقية تكمن في بيع أو إيجار البنايات العالية الى أجانب، وكشف أن أحد جيرانه قرر بيع منزله وذلك لأنه يعتقد أن من يقطنون العمارات ينتهكون خصوصيته، ويرى أن حل مثل هذه المشكلة تكمن في منع البناء في الأحياء الشعبية والعادية، ويشدد على أن النظر الى منازل الآخرين يعتبر مخالفاً لنصوص الشرع .
استراق النظر
فيما يسرد المواطن عبد الوهاب بشرى قصته مع المباني الشاهقة، ويشير الى أنه يقطن في منزل عادي، ولكن بعد مرور فترة تم تشييد العديد من المباني ذات الطوابق المتعددة، وقال إن هذا الأمر لم يثر قلقه واعتبره عادياً، إلا أنه وبعد مرور الوقت تيقن أن البعض من الشباب يستغل هذه المباني خاصة عندما تكون خالية من السكان لاستراق النظر الى المنازل العادية، وقال إن هذا الأمر جعله يفكر جاد في الانتقال الى حي آخر.
اتهام صريح
وإذا كان أصحاب المنازل العادية يتوجسون خيفة وتساورهم الشكوك في الذين يقطنون المباني العالية، فإن قصة الحاجة بدرية تختلف بعض الشيء لجهة أنها تقطن في شقة بحي الطائف، وأشارت الى أنه ذات يوم حضر إليها رجل مسن، وأخبرها بوجود من يسترق إليهم النظر في منزلهم العادي من داخل شقتها، وقالت إنها نفت للرجل حدوث هذا الأمر وذلك لعدم وجود شباب في شقتها وإن أحفادها صغار في السن لا يمكنهم الوصول الى النافذة ولا يصعدون الى سطح البناية لأنها لا تسمح لهم بذلك خوفاً عليهم من السقوط، وأضافت في حديثها لـ (الصيحة): عقب مرور أيام من اتهام الرجل قررت مراقبة السطوح وبالفعل تفاجأت بصعود مجموعة من الشباب إليه وكانوا يتعاطون “البنقو” ويسترقون النظر الى المنازل العادية، فاخبرت الخفير وأسرهم ولكن لم يزجرهم أحد بدعوى أنهم يصعدون الى السطوح للمذاكرة.
ضرر واضح
أما أحمد الذي يقطن جبل أولياء فقد تقدم بشكوى ضد جاره لتشييده طابقاً ثانياً في منزله، ويقول إنه تحدث معه قبل شروعه في التشييد ورفض الانصياع لحديثه ،وبعد ذلك توجه أحمد فورًا الى مصلحة مخالفة الأراضى التي بدورها سجلت زيارة الى الموقع ووقفت عليه وطالبته بإزالة المبنى بعد أن رأت الضرر الذي لحق به، وأضاف أن البعض يستخرج تصديقا على أساس تشييد منزل من طابق واحد غير أنهم يعمدون الى إنشاء طابق ثان، وقال إن هذه المخالفات واضحة من ناحية قانونية وشرعية ولكن المواطنين يتهيبون تقديم شكاوى للجهات المسؤولة، مرجحًا حدوث مراقبة للمنازل العادية من قبل بعض من الذين يقطنون في المباني متعددة الطوابق.
للمهندسين رأي
سألت ابو عمر وهو مهندس عن هذه القضية فقال ان ما يحدث في عمليات تشييد المباني أمر مزعج، غير أنه يؤكد عدم وجود مفر منها خصوصاً مع ضيق مساحات المنازل وتزايد أفراد الأسر والظروف الاقتصادية، واعتبر (أبو عمر) ،أن كل من يقوم بالبناء ولا يراعي للجار هو شخص مريض نفسياً وليس هناك حل غير أن تتم مواجهته، وفي حالة الرفض يجب اللجوء الى القانون، وأشار إلى ضرورة عمل بلكونات ساترة لتحجب كشف الجار ويمكن أن يتم تكوين لجنة من أشخاص لهم علاقة بالمباني تحد من البلكونات الكاشفة، ورأى ضرورة مناقشة مثل هذه القضايا وذلك لأهميتها.
قانون البناء
إذن ما هي القوانين المنظمة لعمليات البناء يوضح مسؤول رفيع بإدارة الأراضي بوزارة البنية التحتية بالخرطوم أن الإجراءات التي يجب اتباعها عند تشييد مبنى تتمثل في استخراج تصريح بطلب مرفق بشهادة بحث ورسم كروكي لقطعة الأرض، وقال في حديثه لـ(الصيحة) بعد أن فضل حجب اسمه لأنه غير مخول له بالحديث رسمياً، إن المستندات المطلوبة ايضاً إقرار من المهندس المشرف على عملية التشييد بالتزامه بعدم الإخلال بشروط البناء التي تتمثل في عدد من البنود ومنها ألا يقل السطوح عن 180 سم وأن تكون البلكونات عالية أيضاً لا تتيح لمن هو بداخل البناية الرؤية، وأكد أن كل من يتعرض للضرر من حقه التقدم بشكوى، مؤكدًا وجود فرق تفتيش تشن حملات دورية للوقوف على المخالفات، ويعترف بوجود مبان مخالفة للقوانين تقع في أحياء شعبية، غير أنه أشار الى عدم تقديم السكان لشكاوى حتى يستردوا حقوقهم في السكن وسط أحياء متساوية في طول مبانيها، وشكى من عدم انصياع أصحاب النفوذ لقراراتهم ورفضهم التقيد بالموجهات التي تنظم العمل وقال إنهم بوصفهم إدارة مسؤولة عن ضبط وتقنين وتنظيم عمليات البناء فإنهم يعانون كثيراً من عدم امتلاكهم الإمكانيات الكافية التي تتيح لهم الحركة خاصة على صعيد العربات، مؤكداً وجود نيابة مختصة لحسم مثل هذه المشاكل.
قوانين منظمة
ويشير معتصم خليفة المختص بمركز أبحاث الجريمة بالخرطوم الى وجود موجهات تحكم الإنشاءات بالأحياء السكنية بمختلف درجاتها وفقاً لقانون المباني، ويلفت في حديثه لـ(الصيحة) الى أن المباني تتوزع على درجات وأن الإنشاءات في كل تصنيف تختلف من الآخر، ويؤكد حدوث تجاوزات في السنوات الأخيرة للقانون المنظم لهذا القطاع، لافتاً الى أن النوافذ باتت مطلة مباشرة على منازل الجيران بالإضافة الى أن البلكونات لا تخضع للقانون الذي ينص على أن يصاحبها سياج معتم.
توعية وتذكير
من ناحيته يرى رئيس لجان الحسبة والمظالم الشيخ عبد القادر أبو قرون أن دورهم في هذه القضية ينحصر في توعية المجتمع، وذلك بمراعاة حقوق الجار التي يؤكد تراجع الاهتمام بها نسبة لضعف الوازع الديني، ويؤكد في حديثه لـ(الصيحة) على أهمية استئذان الجار قبل الشروع في اي عمليات بناء، مشددًا على ضرورة وضع ضوابط شرعية في هذا الخصوص، وقال إن الحاكم يجب ان يقوم بتغيير المنكر بالوسائل المتاحة له وذلك عن طريق الإزالة أو خلافه حتى لا يتضرر أحد، وأكد أنه كداعية في لجان الحسبة وتزكية المجتمع يتحدث بالتي هي أحسن ، وفيما يختص بالمسن الذي ضبط وهو يضع كاميرات مراقبة في منزله المرتفع، قال إن هذا يعتبر جرماً فظيعاً لا يغتفر، وهو الاطلاع على عورات الآخرين دون وجه حق، وعلى الجهات محاسبته فوراً، وأضاف أن تزكية المجتمع الركن السادس من اركان الاسلام ولا تمارس إلا في المملكة السعودية والسودان، وأكد أنهم قد جمعوا القوانين ويعملون على صياغتها بطريقة تتماشى مع العصر بعيداً عن التطرف والتشدد، وأقر بوجود صعوبة كبيرة في الحلول مع بعض الناس، وأشار(ابو قرون) في حديثه حول المباني المرتفعة بالأحياء الشعبية، أنه لم تصلهم شكوى بهذا الخصوص بالرغم من وجود مخالفات، وبرر ذلك بأن المتضرر يخشى من حدوث مشكلة مع جاره، وناشد أي شخص شعر بأنه تضرر من وجود مبنى مرتفع عليه بالجلوس مع جاره بصورة ودية تحفظ له حقوقه، وأشار إلى أنه في حالة عدم الاستجابة لابد من طرف محايد بينهم، وأكد أنه ناقش المجلس الوطني ذلك حول تعديل قانون النظام العام وذلك بوجود طرف محايد “جهة” وهي تزكية المجتمع، وختم حديثه بالتذكير: بقوله تعالى “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر”، وقوله تعالى “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”، وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم” :”من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
مخالفة القانون
ويرى المحامي عادل شيخ الدين أنه من الناحية القانونية للمباني عمومًا فإن اللوائح أصبحت تتغول على القانون، وأبان أنه وفقاً للقانون ممنوع إقامة بناء أكثر من “3” طوابق بالأحياء الشعبية، وقال: المواطنون جاهلون بحقوقهم، وأوضح أنه في الفترة الأخيرة أصبحت هنالك تجاوزات كثيرة، وأشار إلى ان هنالك مادة نص عليها القانون تسمح ببناء الطوابق على شروط خاصة على أن يكون في واجهات المنازل سواتر، وأضاف: ما يحدث يعتبر قصوراً إدارياً من الجهات المسؤولة، وأبان أنه يمكن المتابعة عن طريق اللجان الشعبية التي تقف على هذه المخالفات داخل الأحياء وتبليغ الجهات المختصة على أن ينظر فيها القانون عبر تكوين لجنة مختصة من المهندسين الذين يحددون حجم الضرر الذي يتعرض له السكان من البناية متعددة الطوابق وكيفية المعالجة.
تحقيق: مياه النيل
صحيفة الصيحة