الانتظار مؤلم كما النسيان كذلك، ولكن معرفة أيهما نفعل أصعب أنواع المعاناة، وتحضرني مقولة عائض القرني، حين قال: لأهل السنة عند المصائب ثلاثة فنون؛ هي الصبر والدعاء وانتظار الفرج، وفي تقديري انتظار الفرج عبادة وثقة بالله عندما نبعد عن أنفسنا النزعة التشاؤمية، كما يجب ألّا نضيع ما هو ممكن في انتظار ما هو مستحيل، وهناك الانتظار والأمل، والانتظار هو قمة اللذة، كما أنه قمة الألم، وحرقة الانتظار تغطي كل تفسيرات الوصول، وحياتنا نفسها عبارة عن انتظار مؤجل في محطةٍ من المحطات، وسوف يأتي قطارنا ليأخذنا، فلنعدَّ العدة لذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم، أما الصدفة فإنها خالية من الانتظار، وتحضرني مقولة لنجيب محفوظ، حين قال: الانتظار شعور مؤرِّق، ولا شفاء منه إلا ببلسم الخلود. معظم الناس مستعجلة لقضاء حوائجها بالسرعة الممكنة دون انتظار، ومتى كان هناك انتظار تملل البعض وتضايق لكونه منتظراً، فقد يكون محتاجُ ينتظر الغيث أو مريضٌ ينتظر الشفاء، أو عديم ينتظر الفرج أو حزين ينتظر السعادة، كما أنَّ هناك فئةٌ لا تريد الانتظار في طابورٍ، حتى يأتي دورهم لقضاء معاملاتهم على سبيل المثال، وحين يقودون سياراتهم تراهم مستعجلين لا يريدون انتظاراً أو تمهلاً في الطريق، فقد يتعدى السرعة القانونية، أو يتجاوز مخالفاً.. وفي النهاية نلحق به عند إشارات المرور لأنها حمراء، وحين يشترون شيئاً كذلك في المحلات التجارية، نرى كرههم للانتظار ونفاد صبرهم لمجرد دقيقة أو دقيقتين، وحتى الزيارات صارت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدلاً من الذهاب هناك والانتظار لمقابلة من نحب، ففي العجلة الندامة وفي التأني السلامة، فقد تكون مرارة الانتظار قاسية أحياناً، فعندما ننتظر نصبح صامتين، وفي القلب ألف حكاية، ولكن بعدها شمسٌ مشرقة بمشيئة الله تعالى، تزيل كآبة الأشياء فينا، ويبقى الصمت الأعظم هو صمتك كي ترتقي بنفسك وصبرك بعد انتظارٍ طويل، فتسعد بعده، فتكون لك عينٌُ ترى الأجمل، وعقلٌ يفكر بالأفضل، وروح يملؤها الأمل، فكل شيء بمقدار وبأوانه، وحتماً ستزهر حياتنا من جديد بعد هذا الانتظار. عندما يطول الانتظار تستمر معه المعاناة ويمر الوقت بطيئاً بلا طعم ولا مذاق، ويبقى الأشد مرارة هو الحيرة ما بين الانتظار والنسيان، وإذا خفنا من شيءٍ ننتظره أصابنا، فالذي يخاف من الحسد والعين نجده محسوداً كالذي يخاف من الامتحان وفعلاً لا ينجح، إذن لماذا نفكر بطريقةٍ سلبية؟ يقول الله في الحديث القدسي: أنا عند حسن ظن عبدي بي، وهنا على نياتنا يأتينا الرزق، هذا من حسن الظن بالله، فالخير من الله، والشر من أنفسنا، وماذا عن انتظار موتك أو موت من تحبه؟ هل أعددنا أنفسنا لذلك اليوم، حتى نتضياق من صغائر الأمور في الدنيا؟ إذن لا داعي لهذا الضيق في حياتنا ما دام اعتقادنا راسخاً بأنَّ هناك رباً ينتظرنا ويحمينا متى لجأنا إليه.
وما دمنا تحت قيد الانتظار، يعني ذلك أننا مكبلون بسلاسل الأمل، ومتشبثون بخيوطه، والأمل لا يأتي عن فراغ، ولا يُولدُ من العدم، فهناك قيمة إيمانية عميقة هي: التوكل على الله، فلنزرعها فينا، ولنرسم الأمل، ثم نبتسم، فليس هناك ما نخسره، فالله هو الرب المغني، ورزقنا مكتوب، وعمرنا محدود، هو الله الكريم، كرمه لا يتأخر، إنما يأتي في الوقت المناسب، نحن فقط لا نحب الانتظار، ونريد الفرج في لحظته، ولا ندرك أننا على الصبرِ نُؤجر.