هنا لا يسعف السيد عبد الرحيم حمدى القول المأثور ( أن تأتى متأخرآ خير من ألا تأتي ) ، لأن التأخير في أمر إدارة الإقتصاد لساعات ربما يتسبب في كوارث إقتصادية ، دعك من مرور سنوات على تقييم الاداء الاقتصادي ، للأسف فان العلة ليست في حديث السيد حمدي المتأخر عن فشل البرنامج الخماسي و قبله البرنامج الثلاثي ، المشكلة تكمن في البرنامج نفسه ، و غياب أي رؤية واقعية ، و إغفاله للتعقيدات الهيكلية التي أصابت النشاط الإقتصادي برمته ،
إفتراضات البرنامج الخماسي و كما وردت نصآ في البرنامج الثلاثي استندت على تقليل الإنفاق الحكومي الخرافي قياسآ على الإيرادات الفعلية ، و زيادة الانتاج ، و السيطرة على التضخم ، فماذا حدث ؟ لقد تصاعدت المصروفات الحكومية بمتوالية هندسية و تراجع الانتاج و تدهورت الصادرات ، و تراجعت قيمة الجنيه أما العملات الحرة ، ليبلغ في بضعة اسابيع (15.8) جنيه ، بفارق (9) ج عن السعر الرسمي (6.8) ج ، فتوقفت المصانع ، و هجرت المزارع ، و زادت حدة الفقر ، وتلوح بوادر مجاعة لعجز الأسر عن تدبير قيمة الغذاء ،
السيد عبد الرحيم حمدي قال أمام ورشة المجلس الأعلى للإستثمار ( البرنامج مخجل ، وما فيهو سياسات واضحة عشان البلد تمشي لقدام) هكذا وصف عراب و منظر السياسات الاقتصادية لحكومة الإنقاذ ، البرنامج الخماسي ، السيد وزير المالية الأسبق عبد الرحيم حمدي أفرغ جام غضبه على السياسات الإقتصادية بالبلاد مبديآ تأسفه على الوضع الذي وصفه بالسيئ مقارنة ببداية عهد حكومة الانقاذ، حمدي وجه عدداً من الرسائل وطلب من ممثل رئاسة الجمهورية والي ولاية الخرطوم الفريق أول مهندس ركن عبد الرحيم محمد حسين الذي ترأس جلسة المجلس الأعلى للاستثمار بنقلها إلى القيادة العليا بالبلاد أجملها في عدم مقدرة البرنامج الخماسي الاقتصادي على إحداث تغيير اقتصادي، واصفاً إياه بأنه توسعي وإنشائي جداً لا يحتوي على أرقام وموارد ، و بينما لم يتطرق السيد حمدي إلى أكبر مهددات الاقتصاد و التنمية و التي تتمثل في القرارات الغير مدروسة ، و الفساد و تفشي الجرائم الإقتصادية ، و إهدار المال العام ، و إستمرار الحصار و الحروب ، فضلآ عن انه لم يحدد كيف يمكن معالجة الآثار السالبة للأداء الاقتصادي ، وهو يعلم أن البدايات الخاطئة تؤدي لنهايات خاطئة ،
حاول السيد حمدي تبرئة نفسه من الإخفاقات الاقتصادية للحكومة بقوله ( مقارنة ببداية حكم الإنقاذ) ، عندما كان وزيرآ ، وهو لا شك يدرك إن بداية تدهور الوضع الاقتصادي بدأت بقراراته المتسرعة لخصخصة القطاع العام، و سياسة التحرير ، و ليتها كانت خصخصة ،فالذي حدث ، إما تصفية لمؤسسات القطاع العام ، أو تخصيصها لجهات بعينها، و خصخصة ( زيتنا في بيتنا) ، مع التوسع في انشاء الشركات الحكومية ، والتي سيطرت على تجارة السلع الإستهلاكية ، و الخدمات ، و كانت الطامة الكبرى في تخلي الدولة عن مسؤلياتها في الصحة و التعليم ، و تدنت قيمة العمل ، و انتشرت ظواهر غريبة ووافدة تتعلق بالسلوك الفردي و العقل الجمعي للمجتمع ،
من الضروري أن يتأسف السيد حمدي ، و كان عليه أن يعتذر ليس فقط للاوضاع الاقتصادية السيئة التي يتحدث عنها ، عليه أن يعتذر عن آثارها التي لم يتحدث عنها ، فربما هو بعيد عن الإلمام بالتحولات الكبيرة في الشخصية السودانية ، خيبة أمل و يأس ، و تزايد لأمراض الإكتئاب و القلق و أنفصام في الشخصية ،(25%) من المواطنين مصابون بالسكري ، (40% ) مرضى الضغط و الدورة الدموية و القلب ، (30%) من الأطفال مصابون بالتقزم و نقصان النمو ، (27%) نسبة الطلاق بين المتزوجين حديثآ ، و نسبة لتأثير المشروع الحضاري و أكثرمن ( 20%) من طلاب الشهادة السودانية الذين لم يحالفهم الوفيق ( ساقطين عربي و دين ) ،
المخجل حقيقة هو إستمرار نفس السياسات الفاشلة و تكرار نفس البرامج الثلاثية و الخماسية ، إستنادآ على فرضية تخفيض الإنفاق الحكومي ، وهو ما لن يحدث ابدآ ، الصرف الحكومي يزداد سنة بعد اخرى ، و الحكومة التي تجيز برنامج خفض الإنفاق ، هي نفس الحكومة التي تسرف في الإنفاق ، نعم إن الوضع مخجل ، و لكن القائمين على إدارة الإقتصاد لا يخجلون ، و لا يستحون ، و لا يقرون أنهم يقودون البلد بأسرها إلى هوة سحيقة ، هل فكر أحدهم أن يترجل عن منصبه ولو بدافع الخجل ؟