حيث لا تزال معركة حظر النقاب في فرنسا مثاراً للجدل والفصل بين مبدأ علمانية الدولة من جهة ومبدأ الحريات الشخصية من جهة أخرى. خلال الأيام الماضية، تصدر (البوركيني) أخبار الوكالات والفضائيات، حيث أقدم عدد من رؤساء بلديات فرنسية على حظر لباس البحر الإسلامي المعروف بـ (البوركيني) في الشواطئ، و(البوركيني)، هو لباس يغطي كامل الجسد ولا يُظهر سوى الوجه واليدين والقدمين، الحظر جاء بمبررات أن لباس البحر الإسلامي في الشواطئ الفرنسية يرسل صورة غير متسامحة، عطفاً على أنه يمس علمانية الدولة، القرار المثير للجدل وجد دعماً من رئيس الوزراء وعدد من المسئولين، لكن بالمقابل فإن الجماعات الحقوقية تخوض معركة للتراجع عن القرار، الذي يفرض غرامة قدرها 38 يورو لكل مسلمة ترتدي (البوركيني).
القرار يأتي في أعقاب سلسلة من التفجيرات الإرهابية شهدتها فرنسا خلال أكثر من عام، وقرار كهذا لا يؤكد فقط التراجع المريع في مسألة الحريات في الدولة العلمانية التي تحتضن أكبر عدد من المسلمين في أوروبا، بل يرسم صورة قاتمة على مستقبل الغرب ككل، ووضع المسلمين فيه. حينما قال وزير الداخلية الفرنسي السابق كلود غيون قبل سنوات “إن ارتفاع أعداد المسلمين في فرنسا مشكلة”، أثار حديثه ذاك موجة غضب واسعة وانتقادات حادة، لكن ذات الحديث لو صرح به الوزير اليوم لكان وجد تأييداً. الخوف أن فرنسا وغيرها وفي خضم حرصها على الحفاظ على علمانية الدولة وعدم فرض نمط اجتماعي محدد، ربما تفقد الأساس الذي بُنيت عليه هذه الدول المتقدمة.
مع موجة اللجوء التي اجتاحت أوروبا خلال السنتين الماضيتين، تحدثت تقارير إعلامية عن تحول مئات من اللاجئين إلى أوروبا من الإسلام إلى المسيحية، فقد تحدث قس بإحدى الكنائس في برلين عن الذين تحولوا على يده ربما يصل عددهم 600 مسلماً متحولاً، المتحولون لا يرغبون في تبديل ديانتهم، لا، الأمر مجرد وسيلة للحصول على إجراءات لجوء سهلة غير معقدة، فمع موجة الأعمال الإرهابية التي انتظمت عدداً من الدول الأوروبية بات هناك تشدد في منح اللجوء للمسلمين، ومعلوم أن هناك دولاً في أوروبا تخشى تماماً دخول المسلمين إليها بعد التطور الذي حدث بالشرق الأوسط وصعود الجماعات المتطرفة وتسيدها المشهد.
اليمين المتطرف يتنفس الآن في دول أوروبا وينمو سريعاً، كنتيجة طبيعية، وما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلا ثمرة حملاته التعبوية التي وجدت لها موطئاً بعد حوادث الإرهاب المتتالية، اليمين نجح في بريطانيا مهما كانت نتائج الخروج، ويصعد الآن في فرنسا، ويبدأ معاركه، ويكسب معركة (البوركيني).