نشارك أم نمتنع..؟

> صحيح أن موقف السودان المعلن هو عدم المشاركة في أية قوات دولية أو إقليمية لضبط الأمن وحماية المدنيين وحفظ السلام في دولة جنوب السودان، وأكدت الخرطوم رفضها مجدداً عقب إصدار مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضية قراراً تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بإرسال قوة من ذوي القبعات قوامها أربعة آلاف جندي إلى جنوب السودان بعد موافقة إحدى عشرة دولة من الأعضاء في المجلس وامتناع الصين وروسيا ومصر وفنزويلا عن التصويت، لكن أن يحصر السودان دوره بشأن الوضع في دولة جنوب السودان فقط في إطار الإيقاد ووساطتها، فهذا أمر يحتاج الى قراءة دقيقة ومناقشة هادئة . > فمن خلال موقف الحكومة الواضح، يبدو أن العلاقة الخاصة بين السودان كدولة أم وجنوب السودان الذي كان جزءا ًمن الدولة الأم وتعقيدات هذه العلاقة وصعوبة التعامل مع أطراف الأزمة الجنوبية في الوقت الراهن نظراً لهذا التعقيد، يمكن أن يفهم موقف الحكومة من زاوية التقديرات المرحلية للوضع في الجنوب، لكن من الناحية الإستراتيجية، هل من المصلحة النأي بالنفس وترك الجنوب في أيدي القوى الإقليمية والدولية وقوات حفظ السلام المقترحة دون أن يكون للسودان حضور ووجود في أزمة تضرب بطنه الرخو في دولة لنا معها حدود تصل الى أكثر من ألفي كيلومتر وبيننا وبينها تداخلات عديدة، ونحن أكثر الأطراف والدول معرفة بها وبتقاطعاتها وظروفها ومكوناتها ..! > وهل من المصلحة أن يشارك السودان بأي مستوي من المستويات ويكون له وجود فاعل غير قتالي في هذه القوة الأممية، أم مصلحته البقاء بعيداً عن الدائرة الساخنة والإسهام عبر هيئة الإيقاد ووساطتها؟ ومن المفيد أن نعلم في هذا الصدد أن هناك جهات ترغب في وجود السودان ضمن هذه القوات، مثلما أن هناك جهات دولية نافذة لا تريد أبداً أن يكون للسودان دور في ما يحدث بدولة جنوب السودان، ولا ترغب حتى في مساعدة الخرطوم لتهدئة الأوضاع المتردية . > أما اذا كانت الحكومة هنا في الخرطوم قد تحسست وتلمست المواقف الإقليمية والدولية وعرفت من يرغب في مشاركة السودان ومن يرفض تدخله المباشر ضمن قوات المنظمة الدولية ثم حزمت أمرها بالرفض وعدم المشاركة، فإن ذلك يعني أن مشاركة السودان مستقبلا ًفي كل أوضاع المنطقة سيكون خاضعاً لذات الحالة، وقد لا يتوافق ذلك مع دور السودان الكبير والمؤسس والداعم والمشارك في تكوين (قوات التدخل السريع لمنطقة شرق إفريقيا) التي تكونت من قبل لحفظ الأمن في منطقة النزاعات في شرق إفريقيا ومنطقة البحيرات العظمى وكان من أكبر مهامها هو التدخل في منطقة شرق الكونغو ومطاردة الحركات السالبة وحماية الأمن والسلم الإقليميين . > قد يكون التقدير هنا في الخرطوم هو استباق للمحصلة النهائية المتوقعة لتدخل قوات الأمم المتحدة في جنوب السودان، فليس من المتوقع أن تحقق القوات الأممية وعددها أربعة آلاف جندي يتم تكوينهم من دول المنطقة وتطعيمهم بقيادة كبار الضباط من دول غربية للقيادة والإدارة، أي نجاح في حفظ السلام في دولة الجنوب او حماية المدنيين، لأسباب تتعلق بطبيعة الأزمة الجنوبية ونوع الحرب الجارية في هذه الدولة الوليدة، وهي حرب سياسية ذات طابع قبلي محض، ثم أن دولة الجنوب نفسها بطبوغرافيتها المعروفة واتساع رقعتها وصعوبة تحرك هذه القوات في أرجائها المختلفة والمناطق التي يدور فيها القتال بين طرفي الحرب، تجعل من العسير السيطرة على الأوضاع بسهولة وتحقيق الأهداف الواردة في تفويض هذه القوة الأممية كما جاء في قرار مجلس الأمن الدولي . > وتجدر الإشارة هنا الى أن للسودان دور تاريخي في المساهمة في عمليات حفظ السلام او التدخل الحميد في إنهاء نزاعات في الإقليم منذ عهد قوة دفاع السودان خلال الحرب العالمية الثانية في ليبيا وإريتريا ومصر، وكان للجيش السوداني مشاركات في دول عديدة هي مصر ولبنان وناميبيا والكنغو وجزر القمر ورواندا وبورندي والصومال وجيبوتي وتشاد ويوغندا .

Exit mobile version