إدمان الإنترنت… استراتيجيات الوقاية والعلاج

في دراسة قام بها العالم يانج كمبرلي بعنوان “التربية في عصر ثورة المعلومات: استراتيجيات الحماية” وتم نشرها على موقع Netaddiction.com تم عرض العديد من الإحصاءات الحديثة عن إدمان الإنترنت عبر العالم.
ففي الولايات المتحدة يقوم الأبناء من سن 8-18 بقضاء ما يقرب من 44.5 ساعة على الإنترنت بصورة أسبوعية، وهناك انزعاج كبير من قبل أولياء الأمور بسبب الأوقات المطولة المقضاة أمام الشاشة الصغيرة.

وفي دراسة Harris Interactive سنة 2007 والتي غطت العديد من الدول الأوروبية، أعرب 23% من الشباب أنهم يشعرون بأعراض الإدمان (31% من الذكور و13% من الإناث) من أصل عينة قوامها 1178 من الأطفال (سن 8- 18).

أما في اليابان فقد نشرت وزارة الصحة تقريراً به نتائج الاستبيان الذي وزع على 264 مدرسة أظهر أن تعداد المدمنين للإنترنت بالفعل وصل إلى 6% من الطلبة في المرحلة الابتدائية و9% في المرحلة الثانوية وهذا يعني أن هناك ما يقرب من 518.000 مدمن في اليابان.

أما هؤلاء الذين على حافة دخول دائرة الإدمان فيبلغ تعدادهم 800.000، كوريا الجنوبية ليست أحسن حالاً حيث أظهرت الاستطلاعات أن هناك ما يقرب من 160.000 طفل ما بين الخامسة والتاسعة مدمنون فعلاً للهاتف المحمول والحواسب اللوحية وبصورة خاصة لما يعرض عليهما من ألعاب إلكترونية.

ونبقى في كوريا التي قامت بالعديد من البرامج لعلاج الإدمان الإلكتروني وكان من أبرزها “تجمعات المدمنين النشطة” وهي عبارة عن تجميع الشباب الذين تظهر عليهم أعراض الإدمان في نوادٍ أو تجمعات تتسم بالنشاط الغير إلكتروني من قبيل الرياضة وقضاء الوقت الممتع وسط الطبيعة أو من قبيل قراءة الكتب بصورة جماعية، وتعتبر فكرة “الجماعية هنا” في غاية الأهمية لأنها تعطي المدمن الشعور بأنه ليس وحده من يعاني الارتباط “شبه المرضي” بالتكنولوجيا والاعتماد عليها.

نمط الابن المدمن
أعرب القائمون على البرنامج عن ضرورة أن يفهم الأهل “النمط الذي ينتمي له ابنهم” لأن هناك نوعان:

معسكر الصيام عبارة عن “شفط السموم الإلكترونية” من شخصية المدمن عبر الامتناع التدريجي عن الإمساك بالشاشة، تبدأ رويداً لتصل إلى ساعتين بحد أقصى في اليوم

هناك من يعشق ويرتبط بالإنترنت لأنه يجد في فكرة “الشخص المجهول الهوية” ملاذاً له من عالم الواقع الذي يمثل له ضغوطاً مختلفة، وهناك من الأبناء من يمثل “العنف” والسلوك العنيف الدافع وراء حبهم وارتباطهم بالألعاب الإلكترونية لأنه يشبع لديهم مشاعر “الانتصار والقوة”. كلا النمطين يشتركان في فكرة أنهما أنواع من الهروب من واقع الحياة المعاش والانبهار بالواقع الافتراضي.

أما الفكرة أو الاستراتيجية الثانية فقد نصح بها القائمون على الأكاديمية الأميركية لعلماء النفس التربويين وتسمى الاستراتيجية بـ “معسكر الصيام” وهي عبارة عن “شفط السموم الإلكترونية” من شخصية المدمن عبر الامتناع التدريجي عن الإمساك بالشاشة، تبدأ رويداً لتصل إلى ساعتين بحد أقصى في اليوم. ولكن هذا الأمر يحتاج لكثير من الصبر والدعم العائلي والأسري.

هذا عن الدول غير العربية أما في عالمنا العربي فهناك عدد من المدارس التي بدأت في تنفيذ ما يسمى فاعلية “بعيداً عن الشاشة” والتي بدأتها مدرسة مستقلة قطرية في عام 2007 بالقيام بحملة لدعوة أولياء الأمور والطالبات لقضاء يوم محدد كامل بدون فتح أي من الشاشات (هاتف – تلفاز أو حاسب آلي) بهدف توطيد العلاقات الاجتماعية واستعادة الجو الأسري الدافئ. ويمكن أن يتم تنفيذ الفاعلية على مستوى الأسرة الممتدة أو الأسرة النووية (الصغيرة) ولا تحتاج إلا لبعض الابتكار في التفكير في بدائل مسلية ومرحة تجذب الأبناء.

الأسباب الكامنة
أما عن الأسباب الكامنة وراء انقياد الجيل الجديد لهذه الوسائل كبديل للعلاقات الإنسانية الحقيقية والواقعية فقد أعرب المتخصصون عن اعتقادهم الشديد أن غياب الدور التربوي للوالدين بداخل الأسرة هو من أبرز العوامل لانسياق الشباب وراء العلاقات الافتراضية.

غياب الدور التربوي للوالدين بداخل الأسرة هو من أبرز العوامل لانسياق الشباب وراء العلاقات الافتراضية.

وبالتالي فإن عملية الوقاية من الإدمان لن تؤتي ثمارها إلا إذا قام الوالدان بدورهما في هذا المضمار، وبالتالي أعربوا عن أهمية أن يدرك أولياء الأمور أن المدمن للتكنولوجيا هو شخص افتقد الحنان والعلاقات السوية في الحياة الواقعية ويبحث عنها في العالم الافتراضي، وبناء عليه فإن بناء مثل هذه العلاقات السوية والسليمة هو مفتاح النجاح في استعادة المدمن إلى الحالة المتزنة الصحية.

وقد دلت العديد من الأبحاث في الأعوام الأخيرة وبصفة خاصة التي قادها الدكتور “ياج كمبرلي” في الولايات المتحدة إلى أن هناك العديد من الأعراض التي من شأنها أن تنبه الأهل أن ابنهم أو ابنتهم على وشك الوقوع في براثن الإدمان ومن أهم تلك الأعراض:

• ضعف القدرة على إتمام المهام والأنشطة التي تتطلب العمل في فريق، ويتضح هذا بصورة كبيرة عندما يطلب من طلبة المرحلة الإعدادية والثانوية القيام ببعض الواجبات بصورة مشتركة، حيث لا يجد المدمن (أو من شارف على الإدمان) الرغبة أو القدرة على التواصل السليم والصحي مع الآخرين، ويرجع السبب في كثير من الأحيان إلى أنه أصبح شخصاً “متمحوراً حول ذاته وأفكاره ورغباته وأحلامه” وفاقد القدرة على حل المشكلات التي تطرأ من العلاقات الإنسانية مثل الاختلاف في الرأي، القدرة عن التعبير المتزن عن الآراء، الاستماع الإيجابي…”.

• أما على الجانب العاطفي يؤثر الإدمان على الإتزان الانفعالي وتظهر العديد من علامات الإدمان على رأسها: الإحساس المستمر بتأنيب الضمير، الخوف من المجهول ومن الفشل، الاكتئاب (بدرجاته)، فقدان القدرة على “الصدق” (الميل للكذب واختلاق الأعذار)، الفشل في الالتزام بأي جدول أو خطة، ولو كانت من إعداده هو شخصياً، فقدان الإحساس بالوقت.

إلا أن العرضين الأبرزين هما الرغبة في الانعزال وتفضيل قضاء الوقت أمام الشاشة بدلاً من الوقت مع الأصدقاء أو الأسرة وأهم من ذلك المشاعر الفياضة والمنتعشة كلما فتحت الشاشة وجلس أمامها وبالتالي الاضطراب والهياج مع أي موقف يبعده عن الشاشة.

• وقد ترافق الأعراض العاطفية والاجتماعية بعض الأعراض الجسمانية والتي لها علاقة بصحة مستخدم الإنترنت من أبرزها: آلام في الكتف وأعلى الظهر، الصداع المستمر، البدانة أو فقدان الوزن، اضطراب النوم ومشاكل في الرؤية وآلام في العين.

وفيما يلي 11 خطوة يمكن اتخاذها للحماية من الوقوع في براثن الإدمان:

1. تقليل ساعات استخدام الوسائل التقنية وتحديد تلك الأوقات بصورة واضحة، كأن يقال أن وقت تصفح وسائل التواصل الاجتماعي سوف لا تتعدى ساعة واحدة أو نصف ساعة في الصباح، وساعة أو نصف ساعة بعد العودة من المدرسة.

تقليل ساعات استخدام الوسائل التقنية وتحديد تلك الأوقات بصورة واضحة، كأن يقال أن وقت تصفح وسائل التواصل الاجتماعي سوف لا تتعدى ساعة واحدة أو نصف ساعة

2. إبعاد الوسائل (حتى إن كان الهاتف المحمول) عن مرمى العين كلما أمكن، وفي حال كان الحاسب المحمول مكانه الغرفة التي تتم فيها عملية المذاكرة، فيبقي مغلقاً طالما هناك نشاط ثان نقوم به (الأكل – المذاكرة – انتظار الحافلة).

3. استبدال التحدث الهاتفي والواقعي مع الأصدقاء بدلاً من الشات والمحادثات الإلكترونية بصورة تدريجية، حتى نصل في النهاية إلى أن ما يتم التحدث بصدده على الهاتف هي الأمور حقا العاجلة جداً، ولو لم يكن الأمر عاجلاُ (كإلقاء فكاهة معينة أو السؤال عن شيء غير ضروري، فلننتظر لليوم التالي لإلقاء السؤال وجهاً لوجه مع هذا الصديق).

4. استخدام المنبه التقليدي أو خاصية “الغلق shutdown timer” المتوفرة من “غوغل” والتي يمكن من خلالها تحديد الوقت الذي سوف يقضيه الشخص على الجهاز، ومن ثم يتم غلق كافة الشاشات مع استنفاد الوقت.

5. جدولة الأعمال التي سوف تتم على الجهاز: أن يتم كتابة كل المهام والأنشطة التي يرغب الشخص القيام بها في الفترة الزمنية التي تم تحديدها، على ورقة خارجية واضحة، ثم توقف الأمر مع نفاد الوقت، يجب القيام بالأمر وكأنه تحدٍّ للذات (سوف أنهي كافة المهام في الساعة التي تم تحديدها) هذا الأمر يساعد على التعود على التعامل مع المشتتات مثل التنبيهات المستمرة للرسائل التي تصلنا.

6. طباعة الأوراق – المقالات – الأخبار التي يتم تصفحها لقراءتها بعيداً عن الشاشة.

7. استخدام الإنترنت في المكتبة أو الأماكن العامة بدلاً من البيت، لأنها أماكن تساعد على رؤية الناس والتعامل معهم ويمكن أن يجد الابن أو الابنة صديقاً أو كتاباً يثير اهتمامه وبالتالي تزيد فرصة البعد عن الشاشة.

8. التفكير فى الهوايات والكفاءات (غير المرتبطة بالتقنيات الحديثة) وعمل جدول واضح لكيفية تنميتها في فترة زمنية محددة، وقد يعني هذا الانخراط في دورات أو ورش عمل أو مسابقات، وكلها أمور تساعد على الحد من الجلوس أمام شاشة الجهاز.

9. اعتماد قوائم “المهام التي يجب عليّ إتمامها” والتي تساعد الشخص على ترتيب أولوياته بصورة واضحة، ومن أهم الأمور، كتابة كل الأنشطة المطلوبة حتى ولو كانت روتينية، وكذلك التعود على ترتيب الأولويات، لأنه يساعد بصورة كبيرة على الفصل بين ما هو مهم وما هو ترفيهي في حياتنا.

10.المساعدة في إعداد الطعام، وهذا الأمر ليس مرتبطاً بالفتيات، ولكنه أمر عام يمكن أن يساهم فيه الأبناء أيضاً، والطبخ من الأمور التي تعمل على الاسترخاء وصفاء الذهن لبعدها عن الأخبار الكئيبة والتوترات التي تسببها التنبيهات المستمرة على الهاتف المحمول.

11. قضاء فترات من اليوم وعطلة الأسبوع مع العائلة والأصداقاء وسط الطبيعة والبعد عن الشاشات.

العربي الجديد

Exit mobile version