منذ أغسطس عام 1955، بالتحديد يوم انطلقت أول شرارة للتمرد في مدينة “توريت” بجنوب السودان.. ظلّت البندقية مَحمولةً على كتف جيشنا السوداني لا يكاد يخرج من معركة حتى تنفتح أمامه أبواب معركة أخرى..
على مَدى خمسة عُقُود ظَلّ يُقاتل في أحراش الجنوب في حرب لم تضع أوزارها إلاّ بعد توقيع اتفاقية نيفاشا في العام 2005.. وكانت حينها حرب دارفور تدخل عامها الثاني.. وقبل أن يخمد حريق دارفور انفتحت جبهات النيل الأزرق وجنوب كردفان.. وما زالت..!!
خلال هذه السيرة الذاتية الطويلة، قدّم جيشنا آلافاً من ضُباطه وجُنوده في مُختلف العُهود والمَواقع.. ورغم تقلب العُهود السِّياسيَّة ظَلّ “جيشنا” مُؤسّسة مُتماسكة صلدة لا تنثني أو تتفتت.. ولهذا فقط ظلّت بلادنا عَصِيّة على الفوضى كمثل التي اجتاحت دولاً أخرى كثيرة..
كلمة السر في استقرار وأمن أيِّ دولة هو “الجيش”، أن يظل مُتماسكاً لا تخترقه الخوارق الداخلية أو الأجنبية.. ولهذا فليت المُتفاوضون في العاصمة الأثيوبية “أديس أبابا” يدركون أنّ “جيشنا” لا يجب أن يكون بنداً في أيِّ سجال أو خلاف سياسي..
نتمنّى أن تَضع الحرب أوزارها في كل مناطق السودان، لكن دُون أن نضع “جيشنا” على مائدة أيِّ تفاوض.. فمع كل التقلبات والعُهود السياسيَّة التي مَرّت على السودان منذ الاستقلال، تحمّل “جيشنا” أخطاء السّاسَة الفادحة.. قَدّمَ تضحيات ضَخمة لإصلاح ما خرّبته السِّياسة وكادت تَعصف به ببلادنا لولا “جيشنا”..
اليوم نحنُ في أمسّ الحاجة لندرك أنّ ما للسياسة، للسياسة.. وما للجيش، للجيش.. ولا يجب أن يقرّر في “فنيات” المُؤسّسة العسكرية من هُم خارجها.. فالإرث العظيم المُتوارث داخل هذه المُؤسّسة كَافٍ ليجعلها تنمو وتتطوّر وتُواكب دون الحاجة لتدخلات السِّياسة والسَّاسة..
اليوم وفي الذكرى الـ(62) لـ “جيشنا”.. يجب أن يدرك الجميع أنّ خبرة كل هذه السنوات تكفي لصيانة وحدة السودان وحراسة أمنه من غوائل الدهر.. لكن علينا نحن يقع عبء أن نحمي ظهر “جيشنا”.. نحميه بأن لا نجعله عُرضةً للرياح السِّياسيَّة أو في مجرى سُيول خلافتنا المُزمنة..
حتى لا نقع في مثل مَصائب ما نُشاهده الآن على القنوات الفضائية في إقليمنا العربي.. نحن في حاجة مَاسّة لندرك أنّه ليس مَطلوباً منا أكثر من أن نحجب عن “جيشنا” أهواءنا ونزواتنا السِّياسيَّة..
فلنختلف على أيِّ شيء.. إلاّ “جيشنا”..!!