بعض أهل الشمال اكتفوا باختزال جذورهم في شجرة نخيل، غرسوها في بيوتهم التي امتلكوها في العاصمة القومية الخرطوم، وكذلك يعبر الآخرون الذين أتوا من الجهات السودانية الأربع، واستقر بهم المقام في العاصمة الخرطوم، عبروا عن جذورهم الريفية بغرس شجرة أو صناعة راكوبة أو قطية، أو حافظ بعضهم على صنوف وجبات الطعام التي تركوها وراءهم !!
* فبرغم أن هؤلاء الذين استقروا بالخرطوم قد حرقوا كل مراكب العودة إلى الجذور، إلا أنهم طفقوا يتشبثون ببعض الممارسات والأنشطة في الروابط والأندية الجهوية، كما لو أنهم يكفرون عن ذنب دفين يلاحقهم في ضمائرهم وأفئدتهم !!
* هذا حال الوافدين من الريف السوداني إلى الخرطوم، أما عن انتماء أهل الخرطوم التأريخيين من البطاحين والحموعية والمحس والعبدلاب، فحدث ولا حرج، بحيث لم يعد لهم ولاء وارتباط وجداني بالعاصمة القومية التي أصبحت وطناً للجميع، فضلاً على أن أهلها الأصلاء قد باتوا غرباء، وهم يكتفون بتسور عاصمتهم من الأطراف !!
* أخي الباشمهندس عبدالعظيم محمد مصطفى الذي انتمى لفترة لوزارة الشؤون الهندسية الولائية، نبهني إلى أن الخرطوم تعاني أزمة ولاء، فالانتماء على الأقل يصنع (غبينة) ومن ثم يترجم هذا الولاء إلى عمل الأرض، المهندس عبدالعظيم لاحظ كيف يتخلص مواطنو الخرطوم من أنقاض بناياتهم إلى خارج المنازل، على افتراض أن الانتماء في هذه الحالة يتجسد في قطعة الأرض التي يمتلكها المواطن وعليها شيد بيته، أما الطرقات والفسحات والمؤسسات هي ملك للآخرين!! فيصبح إحساسه بالممتلكات العامة ضعيف جدا، وبالتالي تضعف همة الحفاظ على المكتسبات العامة !!
* يقرأ هذا المآل مع عدم انتماء جماهيري عام للحكومة والدولة أصلا، كما لو أن القوم يعيشون مرحلة (كان دار أبوك خربت شيلك منها شلية).. فثقافة الخراب تغطي على أدبيات الإعمار !!
* فالخرطوم في مقام مقاربة ودعاء.. اللهم إلى من تكلني.. إلى قريب يتنكرني أم غريب بتجهمني!! على أن الأمر في نهاية المطاف يمكن أن يشكل (أزمة مواطنة).. مما يستوجب على قادة الرأي والتغيير البحث في إمكانية صناعة مواطن غيور على عاصمة بلده، التي هي بمثابة عنوان كل السودانيين وديوانهم الكبير!!
* ليس بمقدور أي حكومة أن تنجح في عمليات البناء والتعمير بمعزل عن دعم جماهيري، ولكي يتفاعل الجمهور مع مشروعات التنمية والبناء، يحتاجون إلى قدر من الانتماء والإحساس بعاصمتهم القومية، والغيرة على أن تكون الخرطوم في مصاف العواصم العالمية التي نشاهدها في تلنا وترحالنا ونتخسر علي بلدنا!! فالحسرة وحدها لا تصنع عاصمة تشرفنا نحن السودانيين، فيفترض أننا نبحث في أدوات صناعة الغيرة والانتماء لتكون بمثابة القاطرة التي نبلغ محطات البناء.