عرمان في الخرطوم
كل شيء في تراجيديا السياسة جائز، فعدو الأمس قد يصبح صديق اليوم والعكس تماما، فقط ربما يفوت على أهل السياسة وهم (يقلبون الهوبا)، بأن المجتمع يفترض أن يتهيأ لامتصاص بعض الصدمات الباهظة!! فلا يعقل أن تظل التربية الإعلامية والتعبوية الجماهيرية إلى آخر لحظة فارقة ترسخ لشخصية عرمان المجرم المتمرد القاتل!! ذلك على سبيل مثال المتمردين، ثم يطلب من الجماهير في الصباح مباشرة استقبال السيد المناضل ياسر عرمان عبر صالة كبار الزوار، وهو يدخل الخرطوم دخول الفاتحين!! يحدث ذلك على أثر طبخة سياسية حيكت بليل وقدمت مباشرة للشعب صباحاً!!
* ونحن يومئذٍ معذورون، إذ ترفدني هنا قيمة بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما أتى وحشي قاتل حمزة ليعلن إسلامه – والشيء بالشيء يذكر – فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (قاتل حمزة غيب عني وجهك)!! حتى ذهب وحشي فيما بعد لقتل مسيلمة الكذاب، قائلا لئن قتلت أعظم الناس في الإسلام، ففي المقابل هأنذا أقتل ألد أعداء الإسلام، فعسى أن أكون متقبلاً عند الله ورسوله!!
* غير أن السياسة لا تعترف بمثل هذه المشاعر والأناشيد، فعلى الأقل لقد استقبلنا بعد انفصال الجنوب رجلا في كراهية باقان أموم للخرطوم والسودان القديم، وهو الذي قال في الشمال ما لم يقله مالك في الخمر!! لم يترك الرجل فاقان وراءه أي حسنة يمكن أن تشفع له ولنا لاستقباله!!
* والآن إذا ما أفضت عمليات نداء السودان إلى عودة الثائر ياسر عرمان إلى السودان (شمال)!! علينا أن نخرج إلى مطار الخرطوم في مواكب مهببة لاستقبال بطل السلام هذه المرة!!
* فاقان وعرمان هما وجهان لعملة واحدة هي تحرير السودان جنوبا وشمالا!! فلقد رأينا كيف تحرر السودان الجنوبي!! والآن ننتظر كيف يحرر السودان شمال.. على أن التحرير لم يكن إلا هذا الاحتراق والرماد والجثث التي تتناثر في الأحراش والغابات!!
* على أي حال في سبيل السلام والاستقرار والمستقبل مستعدون أن نتحمل كل هذه الصدمات، بيد أننا نحتاج هذه المرة إلى بعض الوقت لنستوعب هذه النقلة ونتصالح معها!! ففط نتمنى أن يكون السيد ياسر عرمان قد تعلم بعض الدروس من عمليات ذبح (الثور الأسود). على أن (الثور الأبيض) في المقابل قد تعلم الكثير!!
* يفترض أنها الفرصة الأخيرة لبناء الثقة بين السودانيين، وأن الجميع يهبطون الخرطوم لأجل السودان الموحد الذي يسع الجميع، فهل تخلص النوايا هذه المرة!!