هل يمكن أن نصدق أن ولي أمر الفتاة التي تخرج بلبس ضيق يصف تفاصيل جسدها وهو يرى ذلك، ويعلم أن المئات بل الآلاف من الرجال سينظرون إليها، هل يمكن أن نصدق أنه من أهل الغيرة؟!!!. وهل يمكن أن نصف رجلاً بأنه من أهل الغيرة وهو يسمح لابنته أو زوجته أو أخته برحلات أو حفلات بها خلوات ويعج بها الرقص والطرب والمجون بين الفتيان والفتيات؟!!! لقد قيل: (كل أمة وُضعت الغيرة في رجالها، وُضعت الصيانة في نسائها). وقد وصل أهل الجاهلية في الغيرة أن جاوزوا الحد، حتى كانوا يئدون بناتهم مخافة لحوق العار بهم من أجلهنّ. وأول قبيلة وأدت من العرب قبيلة ربيعة، وذلك أنهم أُغِيرَ عليهم فنهبت بنت لأمير لهم، فاستردها بعد الصلح، وخُيّرَت على رضاء منها بين أبيها ومن هي عنده، فاختارت من هي عنده، فغضب والدها وسن لقومه الوأد ففعلوه غيرةً منهم، وشاع الوأد في العرب بعد ذلك. حتى جاء الإسلام وحرمه (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ(9)). كان هذا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام حمد الغيرة، وشجع المسلمين عليها، ذلك أنها إذا تمكنت في النفوس كان المجتمع كالطود الشامخ حميةً ودفاعاً عن الأعراض. إن كل امرئٍ عاقلٍ، بل كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن يكون عرضه محل الثناء والتمجيد، ويسعى ثم يسعى ليبقى عرضه حرماً مصوناً لا يرتع فيه اللامزون، ولا يجوس حماه العابثون. إن كريم العرض ليبذل الغالي والنفيس للدفاع عن شرفه، وإن ذا المروءة يقدم ثروته ليسد أفواهاً تتطاول عليه بألسنتها أو تناله ببذيء ألفاظها. نعم إنه ليصون العرض بالمال، فلا بارك الله بمال لا يصون عرضاً. بل لا يقف الحد عند هذا فإن صاحب الغيرة ليخاطر بحياته ويبذل مهجته، ويعرض نفسه لسهام المنايا عندما يُرجم بشتيمة تُلوّث كرامته. يهون على الكرام أن تصان الأجسام لتسلم الأعراض. وقد بلغ ديننا في ذلك الغاية حين قال نبينا عليه الصلاة والسلام : (من مات دون عرضه فهو شهيد).بصيانة العرض يتجلى صفاء الدين وجمال الإنسانية، وبتدنسه ينـزل الإنسان إلى أرذل الحيوانات بهيمية. يقول ابن القيم -رحمه الله-: »إذا رحلت الغيرة من القلب ترحَّلت المحبة، بل ترحل الدين كله«. ولقد كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام من أشد الناس غيرة على أعراضهم، لقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: أتعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني) ومن أجل غيرة الله حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. والحديث أصله في الصحيحين. من حُرم الغيرة حرم طُهر الحياة، ومن حرم طُهر الحياة فهو أحطُّ من بهيمة الأنعام. ولا يمتدح بالغيرة إلا كرام الرجال وكرائم النساء. فهذا هو الذي كانت عليه الأمة في مجدها الزاهر، وهو (المأمول) من المسلمين حتى يعودوا للدنيا سادة وأكابر!! ولكن الواقع الأليم يناقض ذلك في بُعْدٍ ظاهر، فشوارع مكتظة بمن لبسن ملابس بعضها لا يجوز لبسه إلا للزوج فقط!وبعض تلك الملابس لا يجوز لبسه أمام المحارم من الآباء والإخوة !! اختلاط وخلوات، إركاب في سيارات أمام الملأ !! في مظاهر يذبح فيها الحياء، فمن هم آباء وأولياء أمور تلكم الفتيات؟!! وأين هم؟!! بل إن الأدهى والأمر أنك ترى مع تلك المرأة المتبرجة وهي تلبس ذاك اللبس أخاها أو أباها أو زوجها وهو يمشي معها ويضاحكها على مرأى من الناس وهو مع ذلك لا يستحي من نفسه ولا يخجل من مشاهدة الناس له بل ولا يغار عليها، وقد خرجت سافرة متبرجة في أبهى زينة قد عصت الله ورسوله، ترمقها أعين الذئاب الجائعة وهو يعرضها بهذه الهيئة المبتذلة الخارجة عن الستر والحياء والعفة وكأنه لم يصنع شيئاً بدعوى التقدم والحضارة!! لقد قال العالم القحطاني الأندلسي قديماً : إن الرجال الناظرين إلى النساء مثل الكلاب تطوف باللحمان إن لم تصن تلك اللحومَ أسودُها أُكِلَت بلا عِوَض ولا أثمـــان فيا صاحب الغيرة: كم للفضيلة من حصن امتنع به أولاد النخوة فكانوا بذلك محسنين، وكم للرذيلة من صرعى أوردتهم المهالك فكانوا هم الخاسرين. في ظلال الفضيلة عفة وأمان، وفي مهاوي الرذيلة ذلة وهوان، والرجل هو صاحب القوامة في الأسرة، وإذا ضعف القوام فسد الأقوام!!! وإذا فسد الأقوام خسروا الفضيلة وفقدوا العفة وتاجروا بالأعراض وأصبحوا كالمياه في المفازات يلغ فيها كل كلب ويكدر ماءها كل وارد. وقد وردت أحاديث في ذم من فقدت عنده الغيرة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق بوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث ). وفي هذا وعيد شديد ولو عقله كثير من أولياء أمور من ظهر فسادهن من الفتيات ربما لكان موقفهم غير ما هم عليه !! . إن (الجهل) بعظم المسؤولية التي سيسأل عنها كل رب أسرة هو من أبرز أسباب انتشار ما نحن بصدد مناقشته في هذه الحلقات، ويضاف إلى تلك الأسباب (الفهم المنكوس) و(الفقه المعكوس) الذي رسخ في أذهان البعض من أن هذا العري وهذا الاختلاط وهذه الممارسات هي من لوازم المدنية والحضارة ومن مقتضيات الألفية الثالثة !! فتباً لها من عقول وما أسوأها من أفهام!! ومن تلك الأسباب ما انتشر وينتشر من أغانٍ ساقطة، وأفلام آثمة، وسهرات فاضحة، وقصص داعرة، وملابس خالعة، وعبارات مثيرة، وحركات فاجرة، ما بين مسموع ومقروء ومشاهد في صور وأوضاع يندى لها الجبين مع قلة من ينكرون تلك المنكرات العظيمة، والتي لها التأثير السريع لدى أصحاب الفطر السليمة!!ومعلوم حب التقليد لدى كثير من الفتيات وركضهن وراء ما يرين من الموضة والجديد، فيصبح الأمر عادياً لدى كثير من الأولياء بسبب الكثرة والانتشار. فماذا ينتظر آباء وأولياء أمور هؤلاء الفتيات ؟! أليس في القصص التي تحكى صباح مساء عبرة لهم؟!!، وشعبنا يجيد تكرار تلك القصص في المجالس بأنواعها!! ألا يعلمون أنهم بتركهم الحبل على الغارب لبناتهم أنهم قد أعانوهن على الوقوع في الفواحش؟! ألم يكن من نتائج هذه الفوضى ما عرف باسم الزواج العرفي؟!! وهو زنا صريح؟!! ألم يكن من نتائج هذا الواقع المؤلم (تزايد أعداد اللقطاء) ؟!! وهل دار المايقوما ـ وهي وصمة عار في جبين هذا المجتمع ـ وهل هي من ثمار الفضيلة أم الفاحشة والرذيلة؟!! ألا يعلم كثير من أولياء أمور هؤلاء الفتيات أن أسراً بأكملها عاشت سنوات بل بقية حياتها كلها في ذل وهوان وقد طأطأت رؤوسها وغابت عن المجتمع بسبب فضيحة وعار تسببت لهم فيه احدى بناتهم؟!! وإن من المؤسف جداً أن ينعكس الأمر لدى كثيرين، ويصبح من يغار على عرضه هو (المخطئ) إذ يُتْهَم بأنه يسيء الظن ويشك في الناس!! وأن البراءة تقتضي ترك الناس على ما ألفوه في مجتمعاتهم !! وما أشبه ذلك، ومثل هذا الهراء في ظني لا يصدر إلا من أحد شخصين : إما أن يكون (جاهلاً) أو (مُلَبِّساً) يريد نشر الفاحشة والفساد، وأقول لمثل هؤلاء : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة الكرام وهم أطهر وأنقى الخلق بعد الأنبياء قال لهم : (إياكم والدخول على النساء) فقال رجل أرأيت الحمو ؟ ـ وهو قريب الزوج من غير محارم المرأة ـ فقال عليه الصلاة والسلام 🙁 الحمو الموت). وهو الذي قد قال عليه الصلاة والسلام : (ما خلا رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما)، وهو عليه الصلاة والسلام الذي منع سفر المرأة بغير محرم، وهو الذي منع اختلاط النساء بالرجال، بتشريع يبقى إلى أن تقوم الساعة رغم أنف هذا الجاهل أو المعاند. والذي يزداد به العجب من هؤلاء (المستغربين) أنهم وإن جهلوا هذه النصوص وهذا التشريع فهل يجهلون أيضاً الواقع الأليم وثمار هذا التبرج والسفور والفساد العريض؟!! (إنما المؤمنون إخوة) هكذا يوجه القرآن و(المسلم أخو المسلم) كما أوصى المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهذا يوجب أن ينظر كل مسلم لعرض أخيه المسلم وكأنه عرضه هو، وهذا والله مما يجب أن يجتهد المجتمع في بلوغه، فإذا رأى الرجل فتاة تسيء بتصرفاتها فعليه أن ينصحها بالأسلوب المناسب ويشعرها أنها كابنته أو أخته، وهكذا الأخوات اللائي هن في عافية وستر وعفاف عليهن أن يكثرن من نصح من يرين من أخواتهن من أخطاء في لبس أو ممارسات، وبذلك يتعافى المجتمع ـ بإذن الله ـ ونعيش في أمن واستقرار ورخاء ونسلم من اللعنة التي أصابت بني إسرائيل بسبب تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.