عدت اليوم من أديس أبابا، أو زهرة الربيع.
سأعود للحديث عن المدينة الجميلة الحية والنامية بقوة، ولكني أحب أن أقول بضع كلمات عن حدث 8 أغسطس: توقيع قوي نداء السودان علي خريطة الطريق.
انقسم الناس حول هذا التوقيع ما بين قبول ورفض مذاهب شتي.
(1)
الحكومة التي وقعت علي الخريطة في مارس الماضي ليس في كيسها سوي تصوير هذا التوقيع ك ‘إنكسار’ للمعارضة تهلل له وتريد أن تبتسر الأمور بالتضليل ليبدو التوقيع ‘وقوعاً’ والتحاقاً بحوار قاعة الصداقة و’محاصصة’ تحوز فيها نصيب الأسد وسهم القيادة!
(2)
المعارضة انقسمت مذاهب شتي، ففيها من أقدم علي التوقيع.. وفيها من أحجم.
وفي الطرفين مذاهب شتي، ما بين اليأس والأمل، ما بين الإشفاق والتخوين.. وما بين الجدية والهزل مع قدر وافٍ من سوء الظن والانسياق وراء سوء فهم مريع.
(3)
بالنسبة للمشفقين: خارطة الطريق ليست ‘تسوية’ مع النظام ولا ‘تهاون’ في دم الشهداء ولا حقوق الناس.. بل هي خطوة أولي تفتح طريقاً يؤدي للحوار التحضيري الذي يسبق الحوار الوطني.
يعني ببساطة التوقيع علي خريطة الطريق
موافقة علي إجراءات علي أساسها يتم الحوار التحضيري، الإجراءات هي وقف اطلاق النار وحرية المعتقلين… إذا وقفت الحرب وفكوا المعتقلين يتعمل مؤتمر تحضيري يقعدوا ‘كل’ الناس يحددوا فيه: ماذا يُناقَش، مَن يُناقِش .. وكيف؟ ديل خطوتين: الخريطة واجراءتها.. ثم المؤتمر التحضيري حدثين مفروض يقودوا ‘للحوار الوطني’..
(4)
طيب، الهدف من ‘الحوار’ لا محاصصة لا مشاركة، والدليل أنه لو كان كذلك .. كان تم، ومن زمان.
الهدف هو تفكيك نظام الانقاذ وبناء ‘نظام جديد’ علي أسس محددة ومتفق عليها.
الإتفاق علي الهدف لا يمنع أبداً من الإختلاف في الوسائل.
يعني؛ هدف التغيير أو النظام الجديد سكة وصوله ممكن تكون حوار وطني وممكن تكون انتفاضة شعبية أو غير ذلك، الوسيلتين الذكرتهم بالتحديد وسائل متفق عليها بين غالبية مكونات المعارضة.
(5)
اليائسين: طيب في ناس بقولوا ‘البجرب المجرّب حاقت بيه الندامة’ ، ودة كلام منطقي مسنود بتاريخ طويل من المراوغة الاحترافية للنظام التي غلبت أم غلّاب، في شتي المدن باتفاقيات هي حبر علي ورق زي الدم الكذب علي قميص يوسف(جيبوتي، ابوجا، القاهرة، نيفاشا… الخ)، لكن السياسة فن الممكن وفن التعامل مع المستجدات والمتغيرات وفن استخدام الورق والضغوط وفن تكوين التحالفات وفن إستمالة كل القوي داخلية أم خارجية..
إذن لا عيب في الجلوس.. العيب في النكوص.
ولا ضرر من التفاوض.. الضرر من التهاون.
(6)
ولذلك، كان توقيع ‘نداء السودان’ علي الخريطة في ‘زفة’ .. مشهودة بأعين وآذان سودانيين وطنيين من أكاديميين وقانونيين وكتّاب وشعراء وناشطين، وهذه ليست حراسة للإتفاق بقدر ما هي إتفاق علي حقنا في السلام العادل والتحول الديمقراطي الكامل.. سواء فتحت دربه خريطة الطريق المؤدية لحوار موفور الاستحقاق، أو انتفاضة سلمية .. وما ضاع حق وراءه مطالب.
(7)
الله وحده يعلم بأي وسيلة سنصل إلي الحرية المنشودة والسلام، لكننا سنصل..
وقد لاح فجر خلاصنا، بشاراتنا..
يا سهادَ الدفاتِرِ في ليلة الصَّمْتِ،
والشعراءُ الخليّونَ ناموا.
يا صراخَ القوافِي الحبيسةِ ما بين اقلامِهم،
واصْطِخابِ محابِرِهِمْ، حيث قاموا.
يا ارْتِعاشَ التَّمَرُّدِ في الدمِّ يغلي،
فلا يستقرُّ إلى أن يقرَّ السلامُ.
بقلم
زينب الصادق المهدي