يشتهر السودانيون بولعهم بكرة القدم، إلّا أن مسحًا سريعًا للمدرجات سيوضح أن هذا الولع يقتصر فقط على ناديي القمة “الهلال” و”المريخ”، ولا يمتد إلى المنتخب الوطني الملقب في الوسط الرياضي بـ”اليتيم”، الذي لا يتابع أخباره أحد، وكذلك لا يأخذ نصيبه في التشجيع.
ويبدو الأمر منتميًا لعالمين مختلفين وليس بلدًا واحدًا عندما تشاهد الآلاف وقد احتشدوا لمتابعة تدريب وليس مباراة رسمية لأحد ناديي القمة، مقابل زهد جماهيري عندما يتعلق الأمر بالمنتخب الذي يلعب باسم البلاد.
ومن الشائع في شوارع السودان مشاهدة أعلام “الهلال” و”المريخ” مرفوعة فوق أسطح المنازل أو على السيارات وحتى أماكن العمل عشية مباراة لأحدهما، لكن من النادر أن تجد علم السودان يرفرف عندما يكون المنتخب طرفًا في الملعب.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل حتى الصحف الرياضية ذات الشعبية الواسعة لا تهتم بأخبار المنتخب، وتتبارى على صفحاتها الأولى في نقل أخبار ناديي القمة وبدرجة أقل بقية أندية الدرجة الممتازة.
الاعتقاد السائد لدى كثيرين في الوسط الرياضي، أن السبب الرئيس لعدم الاهتمام بالمنتخب الوطني هو التعصب الذي يعتري أنصار كل من “الهلال” و”المريخ”، لدرجة أن مشجعي أي منهما يفرحون لهزيمة ندهم أكثر من انتصار فريقهم.
ويتجلى التعصب الذي تغذيه الصحف الرياضية المنقسمة أيضًا بشكل صارخ بين الناديين الكبيرين، عند تشجيع أنصار أي منهما لأي فريق أجنبي ينافس الآخر في البطولات الأفريقية.
“حسن فاروق” رئيس القسم الرياضي بصحيفة “الرأي العام”، يرى أن التعصب هو أحد الأسباب، وليس السبب الرئيس الذي يتمثل حسب رأيه في “عدم دعم الدولة للمنتخب”.
ويقول فاروق في حديثه للأناضول إن “الجماهير لا تشجع المنتخب لأنها تعرف سلفًا أنه لن يحقق نتائج في ظل تجاهل الدولة له وعدم الصرف عليه”، مشيرًا إلى أن المنتخب الوطني “عادة ما يخوض المنافسات دون معسكرات تدريبية أو مباريات ودية، بل دون نثريات وحوافز للاعبيه”.
ويضيف أن “وزارة الرياضة ليس لها ميزانية ثابتة للصرف على المنتخب الذي يعتمد على الهبات والتبرعات، وحتى مدربه محمد عبد الله مازدا، يعمل متطوعًا دون مرتب رغم عدم وجود تطوع في عالم الاحتراف”.
ويرُدّ فاروق النجاحات النسبية التي حققها المنتخب بصعوده إلى نهائيات الأمم الأفريقية في 2008 لأول مرة بعد 32 عامًا من الغياب إلى “الصدفة” وكذلك تأهله لنهائيات 2010 التي لم يتأهل بعدها.
ويؤيد “محمد بابكر” – أحد مشجي نادي المريخ – ما ذهب إليه فاروق قائلًا: “عندما يبدأ المنتخب في تحقيق نتائج إيجابية نجد المدرجات تمتلئ لتشجيعه، ما يعني أن خلوها من الجماهير يعود إلى علمها المسبق بأن المنتخب غير جاهز للمنافسة”.
ويُلفت بابكر في حديثه للأناضول إلى أنه “عندما كان المنتخب يحقق نتائج إيجابية خلال تصفيات الأمم الأفريقية في غانا كان يحظى بتشجيع أعلى من الذي يحظى به ناديا القمة مجتمعين لكن في التصفيات الأخيرة لم يهتم به أحد لعلم الجميع بعدم جاهزيته للمنافسة”.
ورغم الإقرار بشح الدعم الحكومي للمنتخب، إلا أن “الفاتح النقر” مدرب نادي الهلال الأسبق يقول إن “المسؤولية يتحملها بشكل أساسي اتحاد كرة القدم، لأنه لا يواجه قادة الدولة ولا يجبرهم على دعم المنتخب الذي يمثل البلاد”.
ويمضي “النقر” في حديثه للأناضول “الدولة يمكن أن تمول وفدًا من 30 شخصًا ذاهبًا لمهمة سياسية في نيويورك بأضعاف ما تدعم المنتخب، لكن السؤال ماذا فعل قادة الاتحاد لتصحيح هذا الوضع المخزي؟”.
ويتساءل مجدداً “لماذا يجازف قادة الاتحاد بسمعة البلاد بدلًا من الانسحاب من المنافسات طالما أن المنتخب غير جاهز للمنافسة؟”، موضحًاً أن “استكانة قادة الاتحاد للوضع الراهن يعني أنهم مستفيدون بشكل ما منه ولا تعنيهم مصلحة الوطن”، بحسب تعبيره.
ويشير إلى أنه “من المؤسف لبلد من مؤسسي الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) عدم إحراز منتخبه بطولة لـ 46 عامًا” حيث كانت المرة الوحيدة التي فاز بها المنتخب بكأس الأمم الإفريقية عندما استضافتها الخرطوم في 1970.
ولم يتسن الحصول على تعقيب من المسؤولين عن الرياضة في السودان، كما لم يرد مسؤولي الاتحاد على اتصالات من الأناضول للتعقيب.
ويتفق “النقر” مع “فاروق” أن عدم تشجيع الجماهير للمنتخب يعود إلى “يأسهم من قدرته على المنافسة بسبب عدم جاهزيته وأنه لا حل بدون دعم سخي من الدولة”.
ويستبعد “فاروق” أن “تهتم الدولة بشأن المنتخب قريبًا لأنها لم تكتشف أهمية الرياضة بعد”، بينما يرى “بابكر” أن “الطريق لا يزال بعيدًا لمنتخب لم يتأهل قط إلى نهائيات كأس العالم”.
الخرطوم/ محمد الخاتم/ الأناضول