* أشارت آخر التقارير الرسمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن نسبة الإصابة بمرض الإيدز في السودان بلغت حوالي ( 1.5 %) من عدد السكان، وهى ضعف النسبة التي كانت في عام 2010، ويقع اللوم بشكل أساسي على انعدام التوعية وانتشار الجهل وعدم التقيد بإجراءات الوقاية اللازمة مثل استخدام الواقي الذكري في العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج!!
* بدون أن ندفن رؤوسنا في الرمال، وقبل أن يهجم علينا البعض بدعوى نشر الرذيلة، لا بد أن نعترف بكل شجاعة أن هنالك من يمارس الجنس خارج الزواج، ويجهل كثيرون منهم خطورة عدم استخدام وسائل الحماية والأمان المطلوبة، أو لا يجدونها أو لا يستطيعون شراءها، وهنا لا مناص من توفير الحماية لهم لعدم إلتقاط العدوى أو نقلها لغيرهم، بتوفير الواقي الذكري مجاناً في المراكز الصحية وأماكن التجمعات!!
* أذكر جيدا أن بعض أئمة المساجد والكتاب الصحفيين شنوا هجوماً حاداً على الدكتور يوسف الكودة فى فترة سابقة تعود إلى خمس أو ست سنوات إلى الوراء، لمطالبته بإشاعة استخدام الواقي الذكري في السودان للحد من ظاهرة إنتشار الأطفال مجهولى الأبوين، والوقاية من الأمراض الجنسية؛ وعلى رأسها (الإيدز)، ولقد أثبتت الدراسات العلمية أن استخدام الواقي خفض نسبة انتشار الإيدز في كثير من البلدان، ففي يوغندا (على سبيل المثال حسب احصائيات منظمة الصحة العالمية) أسهم استخدام الواقي الذكري في خفض معدلات الإصابة بمرض الإيدز من 25 % إلى أقل من 15 % فى غضون خمس سنوات فقط، وبعد أن كانت يوغندا مهددة بالفناء، فإنها صارت تتطلع للقضاء على المرض في السنوات العشرين القادمة!!
* أما فى السودان، فظلت معدلات الإصابة في ارتفاع مستمر وبشكل كبير جداً، ولولا إخفاء المعلومات والتعتيم الذى تمارسه الأجهزة الحكومية (عن عمد) خاصة أجهزة الإعلام؛ وبالتحديد الإذاعة والتلفزيون؛ لإكتشف الجميع أن السودان مهدد بارتفاع معدل الإصابة إلى أكثر من 5 – 10 % في العشر سنوات القادمة (أي وجود خمسة إلى عشرة أشخاص مصابين بين كل مائة مواطن) ليس في الولايات الحدودية فقط، بل في قلب العاصمة الخرطوم، وهو رقم كبير جداً يعني وجود مصاب واحد على الأقل في كل أسرة سودانية، وهى كارثة عظمى من كل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والصحية ..إلخ، لا تماثلها كارثة أخرى، فأية كارثة أفدح من وجود شخص مريض بالإيدز فى كل أسرة؟!
* أهم أسباب ارتفاع المرض في السودان، كما أوجزتها دراسات علمية، هو التعتيم الحكومي وارتفاع مستوى الجهل العام، والجهل بخطورة المرض، وانعدام وسائل الوقاية؛ وعلى رأسها الواقي الذكري الذي تتسبب النظرة الحكومية الخاطئة إليه بأنه ينشر الفساد فى انعدام وجوده في المستشفيات والمراكز الصحية ومناطق التجمعات، الأمر الذى يسهم بشكل فعال في انتشار الوباء وتهديد المجتمع بالفناء، خاصة إذا عرفنا أن معظم المصابين هم من فئة الشباب بين السابعة عشر والثلاثين .. أي أن الحكومة وتحت زعم المحافظة على الطهر والعفاف ومكافحة الانحراف ترتكب عن عمد ومع سبق الإصرار والترصد جريمة القتل الجماعي وإبادة المجتمع السوداني، لتضاف إلى جرائمها الأخرى!
* هذا ما انتبه اليه الكثيرون منذ وقت طويل، ونبهوا الدولة إلى ضرورة إباحة الواقي الذكرى وإشاعة استخدامه، ولكنها ظلت فى حالة تجاهل تام لما يقولون، بل إنهم ظلوا يتعرضون بشكل قمعى ووحشي إلى هجوم منظم يقوده بعض الفقهاء وأئمة المساجد وبعض الكتاب الصحفيين، بدون أن يعيرونهم أذناُ واعية، أو يدركوا أن المجتمع الذي يبحثون له عن العفة والطهارة لن يكون له وجود فى غضون عقود قليلة، خاصة مع ارتفاع قيمة الدواء الخافض لكمية الفيروس في الدم، وعدم وجود لقاح فعال ضد المرض حتى الآن، وإحجام الغالبية من إجراء الفحص الطبي خوفا من اكتشاف الاصابة بالمرض !!
*يجب أن نعرف أن من يطالب بنشر برامج التوعية واستخدام كافة الوسائل المناسبة مثل الحصص المدرسية والأجهزة الإعلامية، وإشاعة الواقي الذكري، هو من يحمي المجتمع ويحافظ عليه من الهلاك، وليس دعاة حماية الفضيلة الذين يطالبون بدفن الرؤوس في الرمال وحظر استخدام الواقي الذكري، وهو أكثر الوسائل فعالية في مكافحة الفيروس ومنع انتشار المرض وحماية المجتمع!!