كارثة شرق السودان.. “طناش” إعلامي
وقناة الجزيرة البعيدة تستنفر الناس لنجدة أهلنا في شرق السودان، وصحافتنا وقنواتنا هنا ترزح في خرطوميتها المقيتة والقاتلة، قل مثلًا الصحف، لماذا لا تبعث موفدين يغطون كارثة السيول في الشرق، كم سيكلف ذلك الصحيفة؟ مصور ومحرر، تذاكر وإعاشه، كم المبلغ؟ وهل كثير على أهل الشرق أن تهتم بهم الصحف والقنوات الفضائية حين تحيق بهم الكوارث وتحدق بهم المخاطر، هل كثير أن تستنجد صحفهم وقنواتهم المحلية وتستنفر أهلهم في مناطق السودان الأخرى ليغيثوهم؟ هل كثير عليهم؟ لكن لن تفعل الصحف ولا القنوات المحلية ذلك، فالناس هناك غير جديرين بأن تسلط الأضواء على قضاياهم ومشاكلهم وكوارثهم، دعوهم في ظلمتهم يرزحون.
ولأن لأهل الشرق رب، ولأن العالم أضحى قرية واحدة فإن الجزيرة وغيرها من القنوات العربية والأجنبية الأكثر مالاً وأعز نفراً نفرت إلى هناك وصورت المشهد المروِّع، وها تستحث العالم كله للنجدة والمساعدة.
ومقطع الفيديو الذي تُكرِّر الجزيرة بثّه على مدار الساعة يجعل (الجلد الأخرش) يشعر ويحس، عدا جلد إعلامنا المقروء والمرئي والمسموع وقبلهم الحكومة، وفيما تُبتعث البعثات وتوفد الوفود الصحفية إلى إديس أبابا ونواكشوط و واق الواق، تتقاعس الصحيفة والقنوات والإعلام الحكومي عن إيفاد (محرر ومصور فقط) إلى حيث الكارثة، ربما لأنها لا ترى أن الأمر يستحق أن تبذل له بضعة جنيهات قيمة ترحيل وإعاشة موفديها إلى هناك، حيث تواجه (3500) أسرة على أقل تقدير أوضاعا مأساوية كارثية بسبب قلة المساعدات فيما أكثر من أربعة آلاف منزل وحاق التلف بنحو 1000 مزرعة.
يبدو الأمر مثيرًا للسخرية والحنق معًا، ففيما تصرخ قناة الجزيرة لسان مكنوبي الشرق: “انقطعت بهم السبل.. الآلاف في شرق السودان في عداد المنكوبين بعد أن جرفت السيول مساكنهم ومحاصيلهم الزراعية” ثم تنقل مشاهد مروعة وقاسية مصحوبة بعبارات مثل “أطفال في العراء يحاصرهم الخوف ويواجهون ظروفًا إنسانية مأوساوية بلا غذاء ولا مأوى ويفتقدون لأبسط مقومات الحياة، ينتظرون المساعدة، فهل من مجيب؟” تتحدث الصحف هنا عن أوهام وخرافات وخذعبلات، وأهل الشرق يتصلون على أعلام العاصمة، فيسد أذنيه ويغلق عقله وقلبه دونهم، ثم حين يعرفون أنه ليس معنيًا بهم يديرون له ظهورهم ويشيحون عنه وجوههم، ويهبون لوحدهم لدرء القادم الأخطر فتلوث البيئة لا شك سيترتب تفشٍّ للأمراض وربما مجاعة محتملة، فقط على الإعلام المحلي أن لا يهرول إلى أن هناك ليغطي توزيع الإغاثة وما قد ينجم عن ذلك من تسرب لها إلى الأسواق، فطالما أحجم عن الكارثة عليه أن يحجم عن نتائجها.