الدولة السودانية الموازية
تراجع قيمة الإحساس بالوطن عند المواطن، من الظواهر الخطيرة التي تنبئ بمرض وطني عضال يجب الانتباه إليه، بحيث يتمظهر هذا الشعور في عدم تفاعل المواطن مع أي دعوة خارج سياج ممتلكاته الشخصية، فكل شيء خارج عتبة الباب هي خارج اهتمامه وليست من أولوياته، فالمواطن السوداني الذي عُرف بمروءته وتفانيه في شأن بلده، الآن بالكاد ينتظر السلطات المحلية لتسوي له الطريق والمجاري التي أمام منزله !!
* يرجع أهل علم الاجتماع هذا الأمر إلى شعور المواطن، بأنه لا ينال حقوقه من الدولة بصورة مرضية وكما ينبغي، أو شعوره بأن ثمة اختلالاً في معايير العدالة الاجتماعية، أو أن فئات بعينها تستأثر بخيرات بلاده، فإذا ما تملكه هذا الشعور وترسخ في دواخله، فإنه لم يكتف بحالة (البرود الوطني) وعدم التفاعل مع أي نفير قومي فحسب، بل ربما يصل به الأمر إلى درجة التمرد ورفع السلاح في وجه الدولة التي أصبحت غريبة وعالة عليه..
* ولو أن هناك معاهد استراتيجية تعمل في هذا المضمار، وتمتلك بعض معايير قراءات شفافة، لاكتشفت أن ثمة (فتوراً مجتمعياً) عريضاً يضرب أركان الدولة، وربما أن مشاهدة الحكومة في واد غير ذي زرع وعائد مباشر للمواطن، الذي هو في واد آخر، ربما يعزز ذلك من هذا الشعور الوطني السلبي، بمعنى أن الجمهور يصطدم كل صباح بصخور السوق الباهظة، وفي المقابل ينظر إلى حكومته، وهي تعالج في صخور السياسة التي تسد عليها الطريق!! فحتى مجرد إحساس المواطن بأن هناك قطاعات حكومية تعمل لصالح قضاياه الحقيقية، ذلك حري بأن يخفف من وطأة إحساسه بالخيبة وعدم التفاعل !! * وهنا مفارقة شاهقة، على أن الحكومة تعتقد بأن الطريق يبدأ بصناعة رأي سياسي موحد، وفي المقابل ينظر المواطن إلى أن هولاء الذين تسعى الحكومة لاستمالتهم من نخب وشغيلة سياسية، لم يكونوا إلا عطالى بأوزان كبيرة يبحثون عن مصالح شخصية بعيدة عن قضايا الجماهير !!
* على أية حال هناك كتلة اجتماعية موازية تزداد يوما بعد يوم، تتشكل من العطالى وممن لا يجدون موطئ وظيفة، وممن لا يستطيعون الحصول على أساسيات عيشهم، وتتسع هذه الكتلة بطبيعة الحال مع اتساع الشقة بين الجنيه السوداني والدولار الأمريكي!! لطالما أن أساسيات الغذاء من قمح وزيوت وألبان تستوردها من الخارج، وبالتالي يخضع سعرها كل صباح، إلى عمليات تراجع سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي !!
وليس هذا كلما هناك.