رحم الله عمر الطيب الدوش كان كل مطايب لحم الشعر.. ليس دوشه فقط بل دوفه وبيت كلاويه والزند والكستليتة.. كان يكتب وفق نظريات الفيزياء والرياضيات فيخلط الدهشة بالرعشة..
من أبحر في ديوانه (ليل المغنين) لا يملك إلا أن يصبحها كما يفعل أهل الكمان والعود.
حديقته المسحورة لا يبرحها أحد باختياره وثلجه أشد حرا من ناره في كل ما قرض.
ونشتري في الدكاكين يوم
مسابح من دموع الناس
مساحيق من هموم الناس
زهج يتعبا في أكياس
وبعيدا عن سعاد فإن الدوش قد جعل ليلاه سمراء.. ربما لم يكن يعنيها شخصا لكنه جعلها تميمته ضد تسلط العمدة:
قلت ليه يا عمدة اختشي
كان معارضا يمد أصبعه أمام الحاكم المهاب
وكان رغم ذلك أستاذا معدما.
(مثلث الخيبات لا زاوية لا قوس لا وتر).
ساقيته لا تزال تسقي الناس وثورها في ثورية الأعمى ينتظر النهاية..
(والساقية طاحونة الأنين طول الليالي بتنتحب..)
ولا يعدم الزمان حزانى تتفصل الأغنيات والأمثال عليهم كقميص عامر..
(الود) قصة أخرى من قصص الرجل الذي خاض بحر المستحيل… أول مهاجر قبطان يبحث عن خريطة بعد أن وجد الكنز قبلها
(وأنا يا سعاد
فتشت مساحات الأماني
ناصية ناصية
حجر حجر)
لعله قد وجد كل النواصي محجوزة والحجارة ممرات من ماء المطر:
(تاجوج بتكتب بالشمال
منحوتة في شكل اكتئاب)
وليس غريبا كتابات الدوش الحزاينية فالحزن عنده قديم.. عنده الحزن القديم..
لعلها.. سعادته طرشاء أو ليس المثل السوداني يقول إن أذن الحامل طرشاء؟
ومع ذلك ينادي:
(بناديها
وبعزم كل زول يرتاح علي ضحكة عيون فيها..)
ويحكي يحيى فضل الله كيف كتب الدوش شعرا في ضوء القمر على الرمل نقلها يحيى فكانت أغنية ماطرة
(سحابات الهموم يا ليل
بكن بين السكات والقول)
ترى لماذا أكتب الآن عن عمر الدوش وقد وضعت عدة مواضيع نحيتهن جميعا بعيدا واخترت النار الضلها يحرق؟.. لا أدري لكن الطقس العام يحتاج إلى كتابات المحتج الأكبر.. ولأني كنت عند النهر الفائض عصرا فوجدته يهدد البيوت التي هددته سابقا بالغمامة يهدي إليها غدرها
(اتخيلي الأنهار
ما صابها أي مرض
واتخيلي الأكوان
في مهرجان مسحور
هدت النجوم للأرض)
ترى أي طمأنينة كان ينشدها كابتن فريق القلق في كل حياته التي عاشها فوقا وتحتا لا طولا وعرضا؟.. كنت أتمنى لو تقابل الدوش ومصطفى سيد أحمد كثيرا.. كنت أتمنى لو غنى مصطفى رائعة سعاد عوضا عن الكابلي لخلدها خلودا يليق بها فالكابلي ليست هذه لونيته ولا يملك اتساع قاعدة مصطفى وبرجه الاتصالي.