علاقتي بالرياضة لا تختلف عن علاقتي بـ«الرياضيات»، ولم أدخل ملعبا رياضيا لمشاهدة مباراة من أي نوع منذ ان بارحت الصف الثاني في المرحلة الثانوية.. لقد سردت عليكم أمس حكاية اللورد البريطاني الذي بدد مئات الملايين بسبب إدمانه المخدرات، وكنت في بداية ذلك المقال قد قلت إن الإدمان أشكال وألوان، وإنه ليس بالضرورة متعلقا بمواد محظورة أو خطرة على الصحة.. نعم فهناك مدمنو كرة القدم، ولكن ليس بمعنى أنهم يمارسونها بانتظام، بل إن مدمن كرة القدم قد يكون جاهلا بفنونها، وكل ما هناك هو أنه لا يفوّت مباراة، فيرتاد ملاعب الكرة أو يجلس أمام شاشة التلفزيون كأبي الهول وعيناه مسمرتان على تلك البتاعة المستديرة، أو صور اللاعبين المعلقة على جدران غرفته، ويصل الإدمان إلى أقصى تجلياته عندما يكون الشخص مشجعا لناد رياضي معين.
قبل أيام قليلة قامت طائرة بهبوط اضطراري في مطار صغير إلى الشمال من ليما عاصمة جمهورية بيرو، كان قائد الطائرة قد أبلغ سلطات مطار بيورا أن وقود الطائرة نفد وأنه لا يستطيع مواصلة الرحلة، فهرع رجال الإطفاء والإسعاف إلى المطار الصغير، ولكن الطائرة لامست الأرض بسلام وخلال دقائق كان 300 شخص قد خرجوا من جوفها وغادروا أرض المطار من دون ان يبدو عليهم أي أثر للجزع الذي لا بد أن يصيب كل من يكون على طائرة تقوم بهبوط اضطراري.. حقيقة الأمر هي أن الطائرة كانت تحمل مواطنين من جمهورية غامبيا في غرب إفريقيا، وكان فريق بلادهم للشباب يخوض مباراته الأولى في العاصمة البيروفية ليما، ولما كان السفر إلى بيرو لتشجيع الفريق يتطلب الحصول على تأشيرات وكثيرا من وجع الدماغ فقد استأجروا طائرة، واجتازوا المحيط الأطلسي ونصف قارة أمريكا الجنوبية ثم طلبوا من قائدها إقناع سلطات الطيران في بيرو بحكاية نفاد الوقود والنزول في مطار صغير ليس فيه إجراءات جوازات وهجرة، وهكذا تمكنوا من الوصول إلى الملعب وتشجيع فريقهم وهو يخوض مباراة ودية ضد فريق محلي في الدرجة الثانية من الدوري الممتاز. وكان ضمن الذين وصلوا إلى بيرو وشاركوا في إخراج الفيلم الهندي عن الهبوط الاضطراري مسؤول رفيع في حكومة غامبيا أبلغ المسؤولين في المطار أن من استأجر الطائرة هو رئيس غامبيا شخصيا.
ع.ه. شاب سعودي يعمل في مستشفى كبير في الرياض، وذات مساء كان الفريق الذي يشجعه يخوض مباراة حاسمة، ولكن لسوء حظه كانت نوبة عمله في نفس وقت المباراة، فأقنع زميلا له بأن يحل محله في العمل، وقبل ان يصل الزميل هذا إلى موقع العمل كان ع.ه. قد غادر المستشفى، وشاءت الأقدار ألا يتمكن ذلك الزميل من الحضور إلى المستشفى لـ«يغطي» غيابه،.. وفي اليوم التالي وقف ع.ه. أمام مدير الإدارة الذي سأله عن سر غيابه، فقال: جدي كان تعبان ودخلوه العناية الفائقة في مستشفى خارج الرياض، وكنت منزعجا وغادرت المستشفى.. هنا ضغط المدير على ريموت كونترول جهاز الفيديو، ورأى ع.ه. نفسه على شاشة التلفزيون وهو يرقص في الاستاد مرتديا زي النادي الذي كان يشجعه في اليوم الفائت.
ولكن هل يتوب المدمن بسهولة؟ صاحبنا ع. ه. كان عقابه عن ترك العمل لمشاهدة مباراة كرة قدم خصم راتب أسبوع كامل، وكانت لي صلات طيبة مع عدد من كبار إداريي المستشفى الذي يعمل فيه، وطلب مني أن أكون «واسطة» ليعيدوه إلى وظيفته، فسألته عن كيفية فقدانه لوظيفته، فقال: الله يقطع الإنترنت وسنين الإنترنت، فقد كنت في مناوبة ليلية وأحسست بالملل فنزلت واختبأت تحت الكاونتر وصرت أشاهد لقطات من مباريات دوري الكرة الإسباني، وضبطوني وصار ما صار، فقلت له إنه يحتاج إلى واسطة أقوى مني وأوصيته باللجوء إلى كريستيانو رونالدو.