“لا يُلام الذئب في عدوانه/ إن يك الراعي عدوّ الغنمِ”. هل نلوم أعداءنا وقد سلّمنا راعي أمرنا إلى رعاة البقر، قطعاناً بشرية جاهزة للذبح قرباناً للديمقراطية؟
في كلّ بلاد تقوم على الديمقراطية الإنسان أهم حتى من الديمقراطية نفسها، لأنه الغاية منها و الغاية قبل أيّ شيء. والمواطن أهم من الوطن، حتى إنَّ اختطاف مواطن واحد أو قتله على يد العدو، يغدو قضية وطنية يتجند لها الوطن بأكمله، وتتغير بمقتضاها سياسات خارجية. لكن، عندما يتعلّق الأمر بنا، يجوز لهؤلاء المبشِّرين بالحرية أنفسهم، نحر مئة ألف عراقي لنشر فضائل الديمقراطية، وتوظيف كل تكنولوجيا التعذيب لإدخالها في عقولنا.
عمر أبو ريشة، الذي قال ذلك البيت، الموجع في حقيقته، أدرك قبل نصف قرن أن الذئب لا يأتي إلاّ بتواطؤ من الراعي، وأن قَدَر الوطن العربي إيقاظ شهية الذئاب الذين يتكاثرون عند أبوابه ويتكالبون عليه كلما ازداد انقساماً. اليوم حللنا على الأقل مشكلة الأبواب. ما عاد من أبواب لنا. غدوا هم بوّاباتنا وحدودنا، أرضنا وجوّنا وبحرنا.. وطناً وطناً يستفردون بنا، ينهبون خيراتنا، يسرقون آثارنا، ينسفون منشآتنا، يغتالون علماءنا، يُشعلون الفتنة بيننا، يصطادون أرواح صحافيينا. ويشترون ذمم أقلامنا.. وأصواتنا.
نحن في أزهى عصور الديمقراطية. في إمكاننا مواصلة الشخير حتى المؤامرة المقبلة.. المقبلة حتماً. فالذئب يصول ويجول ويأكل منّا من يشاء. ما عاد السؤال من جاء بالذئب؟ بل كيف مكّناه منّا إلى هذا الحد؟
الجواب عثرت عليه في حكمة قديمة: “يأكلك الذئب إن كنت مستيقظاً وسلاحك ليس في يدك. ويأكلك الذئب إن كنت نائماً ونارك مطفأة”.
رعى الله لنا نور التلفزيون. فقد أطفأنا كلّ ما عداه.
تصبحون على خير أيها العرب!
من مقال : ” تصبحون على خير أيّها العرب ”
قلوبهم معنا وقنابلهم علينا 2005