أكتب هذه السطور من داخل قاعة الصداقة خلال متابعتي لمجريات اجتماع جمعية الحوار الوطني.. رتبت جدولي وضبطت ساعتي جيداً على موعد هذا الحدث المهم مساء أمس..وكل أملي أن أكون (شاهد عيان) على حدث يفترض أنه سيشكل مستقبل السودان.. ولكن من البوابة الخارجية لقاعة الصداقة بدأت الإحباطات.
التقيت عند البوابة الخارجية أحد المطلعين على كواليس الاجتماع، وأكد لي أنه وفي آخر لحظة تفجرت خلافات حول (التوصيات) فألغيت فكرة إعلانها في الاجتماع.. الخلافات بالتحديد مع حزب المؤتمر الشعبي وفي توصيات لجنة الحريات..
سحب التوصيات في هذه المرحلة أمر محبط للغاية؛ لأنه يقذف الحوار بحجر ثقيل.. فجلسات الحوار بقاعة الصداقة التي بدأت في 10 أكتوبر 2106 انتهت في مارس 2016.. ومضت خمسة أشهر كاملة منذ إسدال الستار على مداولات اللجان الست.. فإذا كانت كل هذه الفترة الطويلة غير كافية لإعلان التوصيات.. فذلك يعني أحد أمرين.. إما شح الجدية وشبهات اللعب على الزمن.. أو ضعف الخبرة الفنية من جانب الأمانة العامة للحوار.
وفعلاً.. مباشرة بعد كلمة رئيس الحوار الوطني؛ السيد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير.. وقف الأمين العام للحوار أمام الاجتماع في كلمة ممطوطة تجاوزت الزمن المخصص له بثلاثة أضعافه.. فحسب البرنامج يفترض أن يقدم تقريره في نصف ساعة، فاستهلك حوالي ساعة ونصف ولم يتنازل من المنبر إلا بعد أن انتزع منه انتزاعاً.. ولم يكن تقريراً بالمعنى الفني بقدر ما كان (ونسة) طويلة محتشدة بالتكرار والوعظ والإرشاد.. ثم الأنكى أن الأمين العام كان يتحدث باعتبار أن الحوار انتهى، وتدلت ثماره وطاب قطافها واعتصرتها أفواه الشعب المنتظر.. رغم أن التوصيات وحتى في مرحلتها(الخام) هذه لا تزال محل خلاف وشد وجذب..
أول خطوة لإنجاح جلسات أي حوار أو حتى اجتماع هي توفر القدرة والخبرة الفنية في إدارة العمليات الإجرائية والتداولية واستخلاص الخلاصات حتى مرحلة تقديم (المنتج) في صورته النهائية.. فإذا كان مجرد تقديم تقرير ختامي(معضلة) فيتحول إلى تلاوة أرقام طويلة لا دلالة لها إلا بما تفرزه من نتائج..يصبح انتظار موسم الحصاد أمر بالغ التكلفة الزمنية ومخاطرة قد يطيح بكل ما هو مرجو وتجلب الفشل الذريع – لا قدر الله-.
حسب ما أُعلن في جلسة الاجتماع أمس؛ أنه من أصل حوالي(ألف) توصية ليس هناك خلاف إلا في (واحدة) فقط.. وحوالي(12) توصية أخرى فيها رأي غالب لم يصل درجة الإجماع.. هنا يصبح السؤال المنطقي.. هل يدل هذا على (درجة انسجام وتوافق) أم على خطأ هيكلي في إدارة المداولات التي أفضت إلى(المتفق عليه) بالضرورة.. فالمفهوم أنه حوار لـ(إدارة الخلاف) وليس لاستخلاص (نقاط الاتفاق).. وقياس الزمن المستهلك حتى الآن في مقابل الناتج؛ تثبت أن الحوار الوطني(لم يبدأ بعد)..لأن (المختلف عليه) بالضبط هو الذي فشلنا حتى الآن في مجرد الإقرار به وإعلانه في (التوصيات) المؤجلة حتى الآن..