سؤالات لحزب البرجوازيين الصغار الأحمر
كان الحضور الأقوى من نصيب الرآيات الحمراء التى إستطاعت التورية على الحضور المتواضع للحشد الذى يلتئم على هذا النحو لأول مرة منذ العام 1967وذلكم هو المؤتمر العام للحزب الشيوعى السودانى . وضيوف المؤتمر أنفسهم علموا أن الحاضر الأهم هو اللون الأحمر فجاءوا بالجلابيب الحمراء والثياب الحمراء . فهذا كل ما تبقى من حزب الطبقة العاملة السودانية.وإذا تعاظم الشعار تقزمت الفكرة . وهل يحتاج أحد أن يقيم دليلاً على تقزم الفكرة الشيوعية حتى كاد ينساها الناس ، إلا من أناس دخلوا كهف التاريخ ولم يخرجوا منه بعد.ولئن كان للمناسبة من فضل فإنها دليل ساطع على المناخ الحر الذى مكن لكل الفاعلين السياسيين أن يظهروا فيه نشاطهم وأن يعرضوا بضائعهم ، وإن كانت بضاعة بائرة غير نافقة ولا مزجاة.وكذلك كشفت المناسبة النادرة مدى تلهف الأعلام والرأى العام لنشاط سياسى يبرز فيه تنوع الساحة السياسية السودانية مهما يكن حجمه أو وجهته. كذلك أظهرت المناسبة أن الحزب الذى أعتاد البقاء فى القبو قد أضطرته المنازعات بين فرقائه إلى الخروج إلى السطح بما يعنى التعرض لفحص ورقابة المجتمع المدنى على مسارات عمله وأوجه نشاطه. وقد ظهر للجميع أنه خلف تلكم الرآية الحمراء يقبع حزبان فى رداء واحد. أحدهما هو حزب المصابين بالنوستالجيا لأمجاد ماضية متخيلة ، وحزب آخر ربما بات يؤمن أن المراجعة الجذرية أصبحت قدرا مقدورا. بيد أن هذا التوأم السيامى لايملك فكاكأ من راهن الحال ، ولكنه مهما يكن فإن هذا أمر يدعو للإستبشار . ففى الماضى لم يكن ليُسمح للرأى آخر أو تيار آخر أن يظهر أو يتبلور ، ولم يكن الرأى الآخر يجد سبيلاً سوى مغادرة الحزب أو الانتحار. وقد آن لعقلاء الحزب إن وجدت منهم طائفة أن ينفضوا عن أنفسهم غبار السنوات السبعين التى آضت بالحزب الماركسى اللينينى إلى أرذل الحال.فالحزب الذى سجل فى تأريخه إعتراضه على الحكم الذاتى فى 1953 ،ثم سجل على نفسه تحطيم الخدمة العامة بتسييسها لأول وهلة بشعار التطهير واجب الوطنى لإحلال كوادر الحزب من محازبيه ومناصريه فى محل شاغلى مناصب الدولة حتى صار التسييس هو الأمر الواقع الذى تتسابق عليه الأحزاب قديمها ومحدثها. وهو الحزب الذى سجل لأول وهلة تسييس القوات المسلحة فزرع كوادره بدعوى القوى الثورية والضباط الأحرار فى الجيش الوطنى حتى صار التنافس بين الأحزاب فى زرع محازيبها هو السنة الجارية الراتبة . وهو الحزب الذى باء بوزر تحطيم القطاع الإقتصادى الخاص بدعوى التأميم والمصادرة فإنقطع تواصل النمو الإقتصادى من وقتذاك. بيد أنه ورغم كل هذه الجرائر فإن شعب السودان على عادته فى التسامح والتناسى لا يزال يبسط أياديه بفرصة جديدة لحزب شائخ أنساه الزهايمر السياسى أن يذكر ماضيه وأعجزته غشاوة الماء الأبيض والأسود أن يبصر بالأشياء قدامه وبين يديه.
سؤالات مهمة للحزب البرجوازى:
وبغض النظر عن أن الجميع يدرك أن دعوى الحزب بأنه حزب الطبقة العاملة هى دعوى مكذوبة ، يكذبها أولاً عدم وجود هذه الطبقة المفترضة ، وكذلك يكذبها إنفضاض جماهير العمال وإنصرافهم عن دعوته ودعواه منذ تأسيسه . فهو تأسس على أكتاف مناضلين من ذات الطبقة التى يزعم أنه يعمل على إبعادها من مركز السيطرة الذى تتسنمه. ولئن كان مفهوماً أن يشتمل الحزب الشيوعى على طائفة من المناضلين الخارجين على طبقتهم المنحازين للمستضعفين كما فعل ماركس وأنجلز فإن أحداً لم يتصور أن يكون وجود العمال فى حزب البروليتاريا هو الإستثناء وليس القاعدة. فالحزب الشيوعى أنشأه منذ سبعين سنة ثلة من البرجوازيين الصغار ، وظل يتوسع فى ذات الطبقة المفترضة ، بينما يعرض عنه إلى اليمين المفترض وإلى الوسط السواد الأعظم من العمال والفلاحين ، الذين هم ملح الأرض بما يسيل من جباههم من عرق الكد والكدح . لذلك فأول السؤالات هل لايزال الحزب الشيوعى هو حزب الطبقة العاملة ؟ وهل يسعى بالفعل إلى التمكين الإقتصادى والسياسى للطبقة العاملة بله من تكريس السلطان كله بين يديها بدعوى ديكتاتورية البوليتاريا؟ وكيف سيتحقق ذلك التمكين ؟ هل يتحقق بسلوك سبيل الديموقراطية البرجوازية الليبرالية أم عن طريق بناء الجبهة الوطنية الديموقراطية التى هى حكر للتقدميين دون سواهم ولا مكان فيها لأمثال الأمام الصادق وأبنته المنصورة من بقايا أحزاب الرجعية الطائفية الدينية؟ وهل يعنى إفتتاح المؤتمر بتلاوة آيات من القرآن الكريم وظهور بعض كادرات الحزب بالزى الإسلامى ، مراجعة لموقف الماركسية من الدين ، الذى هو لدى الماركسيين بنية فوقية صنعتها البرجوازية الصغيرة والأرستقراطيات العتيقة من قبلها لتخدير الشعوب ، أم أن التلاوة المباركة لا تعنى أكثر من ذر الرماد على العيون كى لا تبصر بالموقف الفكرى والسياسى الثابت للحزب من مناهضة لا تفتر لخطة تخدير الشعب بأفيون العواطف الدينية ؟ وهل يعنى ذلك أن الحزب الشيوعى السودانى له موقفه الخاص إزاء الدين أم أن الدين فى السودان ليس مخدراً بل منشطاً للشعب ، يجوز للحزب أن يستخدمه لحث الشعب للنضال كى ما ينال حقوقه التى يسرقها البرجوازيين الصغار؟وإذا كان ذلك الموقف من الدين مراجعة حقيقية لا مناورة آنية ، فهل تشمل هذه المراجعات الموقف الفلسفى الذى تأسس عليه الموقف من الدين ؟ أى هل تعنى مراجعة المادية الجدلية ومن ثم مراجعة التفسير المادى الجدلى للتاريخ؟ وإن كان ذلك كذلك ألا يجعل هذا التحول الكبير حزب الرفاق الحمرخارجاً من دائرة الإشتراكية العلمية الحتمية ، وداخلا إلى دائرة الأحزاب الإشتراكية الطوباوية غير العلمية؟وإذا كانت الإشتراكية ليست بالضرورة حقيقة علمية وهى بالتالى غير حتمية فمن يضمن صوابية سائر التحليلات والتنبؤات الأخرى التى شكلت أحلام المناضلين دهرا طويلا ؟ أن سبيلهم للإشتراكية سبيل إنما رصفته حتمية التاريخ وأنهم إذ يناضلون يسبحون مع تيار لا يتصور أن ينقلب القهقرى إلى الوراء أبداً ، إلا أن يُتصور أن نهر النيل سينبع من المتوسط ليصب فى تانا وفكتوريا؟
المنظور الديالكتيكى للحالة السودانية :
وسؤال آخر للأصوليين والمراجعين فى الحزب ما هى قراءتهم لواقع الحال السودانى بمنظار الماركسية؟ وماهى القوى الرجعية الظلامية إلى جانب المؤتمر الوطنى والإتحادى الأصل اللذين لم يشرفهما الحزب بالدعوة الى منتظمه السياسى؟ولربما ذكروا أنه فى العام 1967 كان حزب الأمة الذى يقوده السيد الأمام على رأس القوى الرجعية الظلامية ؟ فهل تغير حزب الأمة فأصبح تقدميا ؟ وهل يكفى ثوب مريم المنصورة الأحمر لتحقيق ذلك؟ أم الدعوة تكريم للإمام على زواج الملاءمة السياسى الذى عقد به مصاهرة وقتية مع الحزب التقدمى العتيق؟ وهل التصنيف للقوى بين رجعية وتقدمية سياسى أم إقتصادى؟ وأين موقع الرأسمالية الوطنية إن كانت لاتزال باقية وموقع الرأسمالية الحقيقية والطفيلية إن كانت متوافرة فى آخر نسخة فى التحليل الماركسى لواقع الحال فى السودان ؟ وهل يشمل هذا التحليل تفسيرا لتحالف الحزب مع ممثلى جهويات وأثنيات وقبليات لا على أساس طبقى بل على أساس التحشيد لاسقاط نظام الحكم ؟ أم هى مراجعة مبتكرة لرؤى لينين حول كيفية تفجير الثورة فى الشرق غير المكمل لشروط التطور الرأسمالى المحقق لتنبؤات النظرية العلمية التى تخطىء أبدا فى تفسير الظاهرة الإجتماعية التاريخية؟ ولئن كان ذلك كذلك فهل لكم بإسعاد فضولنا العلمى بإطلاعنا على هذه النظرية السودانية فى تفسير تفجير الثورة فى الجنوب بطىء النمووالغارق فى نزاعات إثنية وجهوية وقبلية؟ وهل تحالف باريس الأثنى الطائفى اليسارى و الذى تتم رعايته من قبل أريك ريفز ومسيو بيلارد هو شكل الجبهة الوطنية الديموقراطية الجديد؟وإذا وقع التأمين على هذا التحالف فهل هو تحالف لإسقاط النظام الحاكم أم هو لبناء نظام الجبهة الوطنية الديموقراطية التقدمية ؟ وإلى أين تتقدم هذه الجبهة الجديدة ؟وسؤالات أخرى متصلة بهذه السؤالات وأولها إلى أى مدى حقق الحزب أهدافه المرسومة منذ آخر مؤتمر علنى فى العام 1967 ؟ وماهى هذه الأهداف؟ وهل لاتزال الاهداف هى ذات الأهداف أم تبدلت ؟ وإذا كانت هى ذات الأهداف فهل تصلح الجبهة الجهوية الإثنية الطائفية اليسارية لتحقيق ذات الأهداف ؟ أم أنه يجوز تبديلها دون تبديل الأسماء على الطريقة الأورولية فى مزرعة الحيوانات؟وإذا تركنا الجبهة العريضة للتنظيم الداخلى للحزب هل سيلتزم الحزب بالديموقراطية الليبرالية فى تنظيمه الداخلى ؟ وهل يعنى هذا هجران المركزية الديموقراطية طيبة الذكر؟ أم أن الحزب سيلتزم المركزية الديموقراطية داخليا ويلبس لبوس الليبرالية للبرجوازيين الصغار بالخارج ؟وهل سوف يسعى الحزب لتوسيع تنظيمه الداخلى أم أنه سيظل حلقة منطوية على نفسها ويبنى حلقة من الديموقراطيين بأسم الحزب للعرض الخارجى كما هو واقع الحال الراهن؟ وهل سينجح أم يخفق و يعجز عن حماية حلقته الداخلية المحكمة الإغلاق من الغواصات والدلالين والدلاليات الذى يبيعون أقدس أسرار الحزب؟ وهل إستيأس الحزب من قيادة قوى اليسارالتاريخى ؟ وماهى المعادلة الجديدة لتجميع اليسار تحت قيادته ؟ وأى يسارالذى سوف يقوده الحزب الأحمر؟ هل هم الناصريون والبعثيون واللجان الثورية أم أنهم تغيروا هم الآخرون ؟ وأى الفصائل من فصائل الناصريين والبعث واللجان سيتحالف معه الحزب ؟وهل سيفلح فى توحيدهم تحت قيادته بعد أن عجزوا عن تحقيق توحدهم بأنفسهم ؟ وهل من يزعمون أنهم يسار جديد يدخلون فى هذا التحالف ؟ هل ما يتسمى بالمؤتمر السودانى يسار؟ وهل اللذين خرجوا على الحزب فى الماضى بأسم القوى الجديدة أوحق أو أى أسم آخر سيكونون من أعضاء هذا النادى اليسارى؟وماذا لو شكل المطردون من الحزب حزبا تقدميا جديدا هل سيتم قبول عضويتهم؟ وكيف سيجرى التوفيق بين هذا النادى اليسارى وبين التحالف الباريسى الإثنى الطائفى الجهوى واليسارى أيضاً؟ وكيف ستكون علاقة الحزب مع الحركة الشعبية إن هى صالحت وعادت هل سيقبل بها عضوا فى تحالفه اليسارى ؟ أم هل يقبل بها قائدا للتحالف كما هو الحال معها فى تجمع باريس ؟ وهل سيقبل حزب الطبقة العاملة أن يُقاد ولا يقود ؟ وكيف يصنف الحزب الحركة الشعبية هل تصلح قيادة لنضال الطبقة العاملة أم أنها لا تصلح إلا جهوية قبلية؟ وكيف يمكن المصالحة بين النضال الطبقى والنضال الجهوى والإثنى؟
لاشك أن السؤالات لن تنفد عندنا ولكنا سوف ننتظر الإجابات إن لم يتكرموا بها علينا فيجديهم أن يتجشموا بعض الإجابات عليها لأنه دون ذلك سيبقى الجزب العتيق أحجية فى فضاء السياسة فى السودان .
د. أمين حسن عمر