احترس..امامك اغنية (ملغومة).!
انتشرت داخل الساحة الفنية خلال السنوات الاخيرة مئات الاغنيات الشبابية (الملغومة) والمنزوعة تماماً من قيم الجمال والرصانة و(الحياء)، تلك الاغنيات التى يدافع عنها بعض مؤدييها من الفنانين الشباب دفاعاً مستميتاً، بل ويذهب بعضهم لابعد من ذلك عندما يقولون وبكامل قواهم العقلية: (دي ثقافة جيلنا)، تلك العبارة التى يتخذها اولئك كـ(قشة) يتعلقون بها للهروب من طوفان النقد الذى يوجّه لتلك الاغنيات (المبتذلة).
قبل كل شئ، دعونا نتحدث بصدق وبشفافية عن الاسباب الحقيقية التى ادت الى انتشار مثل تلك النوعية من الاغنيات، تلك الاسباب التى تنقسم الى ثلاث محاور رئيسية، اولها يتعلق بالرسالة الفنية، وثانيها يدور حول الصراع المشتعل مابين الاجيال وفقدان التسلسل الطبيعي لها، فيما يتركز المحور الاخير وبصورة مباشرة حول الظروف الاقتصادية.
اول المحاور والذى يتعلق بالرسالة الفنية يعتبر الاهم من حيث الترتيب والتأثير ايضاً، فـ(جحافل المغنيين) التي اقتحمت الساحة الفنية خلال السنوات الاخيرة، افتقدت تماماً للرؤية العامة فيما يختص بأبجديات تلك الرسالة، والتى تدور حول ايمان الفنان بماهية الدور الذى يلعبه تجاه وطنه ومجتمعه وتجاه جمهوره، وذلك عبر مايقدمه من اغنيات تخدم الاتجاهات التى ذكرناها اعلاه، بينما عانى الكثير من المغنيين الجدد الوافدين للساحة من امراض (لوثة الشهرة)، تلك الامراض التى يصعب علاجها بعد استشراءها داخل جسد التجربة الفنية لأي منهم، وذلك لأنها وببساطة اصبحت المكون الاساسي للتجربة، وخير مثال على ذلك (ادمان) الكثير من الفنانين الشباب ترديد الاغنيات (الملغومة) ورفضهم التام لترديد سواها، وذلك خوفاً من انهيار نجوميتهم التى صنعتها (البدايات الخاطئة).
ثاني المحاور والذى يختص بفصل التسلسل الطبيعي للاجيال، كان ايضاً سبباً مباشراً في انتشار الاغنيات (الملغومة)، فالرفض الكبير الذى انتهجه الفنانون الكبار فيما يتعلق بجزئية ترديد اغنياتهم وتهديدهم المستمر للفنانين الشباب بإقتيادهم للمحاكم، دفع بعدد كبير من المغنيين الوافدين الجدد للبحث عن طرق اخرى للوصول للشهرة والنجومية، تلك الطرق التى تتفق جميعها في فرضية (اثارة الجدل)، تلك الفرضية التى اسهمت وبصورة كبيرة في تقديم فنانين (مثيرين للجدل) للساحة الفنية بدلاً من تقديم فنانين (مثيرين للإعجاب)، والفرق بين هذا وذاك كبير.
المحور الثالث المتعلق بالظروف الاقتصادية-يعتبر وبكل صدق- محوراً هاماً للغاية فيما يتعلق بإزدياد رقعة الفنانين المؤديين للاغنيات (الملغومة)، فأغلب الفنانين الذين اقتحموا الساحة الفنية في السنوات الاخيرة، كانت اهدافهم الاساسية ترتكز على (جني المال)، بحيث صار الفن مؤخراً مهنة من لامهنة له، واصبح كذلك الطريق الاقرب للثراء وللنجومية وللشهرة، بينما تضآلت وبالمقابل اعداد المغنيين الموهوبين داخل الساحة، وذلك بسبب سيطرة الاغنيات الملغومة على المشهد، تلك الاغنيات التى لاتجذبهم على الاطلاق، وذلك لانها وببساطة بعيدة تماماً عن قناعاتهم بالفن وبالرسالة التى يسعون لإيصالها للجمهور.
شربكة أخيرة:
لن تغيب الاغنيات (الملغومة) عن المشهد الغنائي في السودان مالم يتم التعامل معها كـ(حالة طارئة) تستوجب اقصى الإهتمام، ولن يعود فناني (الهشك بشك) لرشدهم الا بعد ان يلفظ المجتمع اغنياتهم تلك، ويجردهم من (ورقة التوت) التى يسترون بها (عورات اصواتهم).!