قصة ضابط سوداني استشهد معظم جنوده، فطلبوا منه ان ينسحب فرفض وقاتل حتي استشهد

اشخاص قد تعرفهم … اعرفه نعم ، لكنه لن يقبل صداقتي .
قبل يومين وانا اتصفح الفيس بوك ، مر امامي شريط التطبيق والذي يعرض مجموعة من اصحاب الحسابات المختلفة بصورهم الشخصية ، لعلك تعرف احدهم وترسل له طلب صداقة لتتواصل معه … وعادة لا اهتم لهذا الشريط ولا اطالعه ، لانني غالبا اطلب صداقة اي شخص من خلال ما يكتبه او من خلال مشاركة بعض الاصدقاء لبوست من بوستاتهم فيعجبني اسلوبه او فكره او حتي طريقته في الكتابة فارسل له طلب صداقة ….
قبل يومين كما اسلفت ، وعلي غير العادة نظرت الي الشريط فوجدت امامي صورة اخي و صديقي ناظم الياس عبدالحميد وتحت الصورة اسمه باللغة الانجليزية … تمعنت في الصورة ووجدته هو ناظم ، فطفرت مني دمعة غالية جدا ، لأنني حتي لو ارسلت له طلبا فلن يقبله الآن ، لأنه اصبح ضيفا عند مليك مقتدر ، ونسأل الله ان يتقبله ويدخله فسيح جناته …

ناظم الياس هو اول صديق لي في هذه الدنيا ، حيث بدأت صداقتنا في الصف الاول الابتدائي وفي اول يوم دراسي ، تصادقنا بعد مشاجرة عنيفة حول مقعد في الكنبة الاولي ، وكل منا كان يدعي احقيته بالجلوس في ذلك المقعد ، وعند دخول الاستاذ للفصل نقل تلميذا آخر الي المقعد الخلفي واظن انه الاخ عبداللطيف حمزة موسى ، لأنه كان اطول قامة منا جميعا ، وجلسنا انا وناظم في متجاورين في نفس الكنبة ، اخترنا الكنبة الاولي في الصفوف الامامية لأن كلانا كان قصيرا جدا جدا جدا مقارنة بباقي زملائنا ، ( وبي قدرة قادر لما كبرنا اصبحنا طوال القامة نسبيا مما مكن الاخ ناظم من الالتحاق بالكلية الحربية والتي تخرج منها ضابطا فذا ).
لم ينتهي ذلك اليوم الدراسي الا وقد اصبحنا اصدقاء لم نفترق بعدها ابدا الا في المرحلة الثانوية ….
فكنا نقسم ايام الاسبوع ونوزعها علي بعضنا ونفطر كل يوم في بيت احدنا ،فيوم هو يفطر عندي في البيت والآخر افطر عنده ، و بالرغم من بعد مسافة المدرسة الا اننا نعود يوميا علي ارجلنا لتناول الافطار في المنازل ونرجع مرة اخري الي المدرسة ونقطع مسافة لا تقل عن خمسة كيلو مترا ذهابا ومثلها ايابا ، واستمرت هذه المشاوير طيلة مرحلتي الابتدائية والمتوسطة في فترة زمنية لا تقل عن تسعة اعوام حسوما ، واحيانا نحمل معنا الافطار الي المدرسة ونتناوله في اوقات الفسحة ، الا اننا نعتبره برنامجا مملا وكنا نفضل ان نعود ونتناوله في المنازل ، وذلك حتي نستمتع باللعب في الشارع ، والذي والافطار ايامها لا يتجاوز ان يكون ، ما تبقي من طبيخ الامس ، او كسرة بي طماطم وبصل ، او روب بالكسرة ، او لبن بالرغيف ، حيث كان تناول الفول كان ترفا لنا في تلك السنين وحتي الخبز كان تناوله من الترف ، الا اننا كنا في غاية السعادة في تلك الايام الخوالي .

و لا اذكر اننا تشاجرنا بعدها ابدا ، وامتدت صداقتنا حتي نهاية المرحلة المتوسطة ، حيث تم توزيعه الي مدرسة الدمازين الثانوية وانا ذهبت الي سنار الثانوية …. وفي المرحلة المتوسطة تشاركنا انا وصديقي كره احد المعلمين المشهورين في المنطقة ، وكان يصفنا بالفاشليين ويقول ان الزمن سينتهي بكلانا الي المنطقة الصناعية لاننا سوف لن ننجح في الدراسة ، وهذا المعلم نسأل الله له الصحة والعافية ، عمل علي تشريد الكثيرين من المدرسة وذلك بالعقاب العشوائي الغير مبرر وبالاساءات البالغة ، ولولا لطف الله لكنا من ضحاياه وتركنا الدراسة في تلك السن المبكرة … وللاسف وقتها لا نستطيع ان نشكي المعلم عند اسرنا ، لاننا لو فعلنا ذلك لنلنا عقوبة مضاعفة من الاسرة ، لذا يكون الصمت والصبر سيدا الموقف ، الي ان وفقنا الله واجتزنا تلك المرحلة الي الثانوية …

واصبحت لقاءاتنا مع ناظم بعدها طفيفة لانه كان يقضي اجازاته السنوية في الخرطوم ، وانا اقضيها في سنار … كنا نلتقي لقاءات عابرة ، الا ان شذي السنين الاولي اصبحت جزءا من مشاعرنا وتكوين عقولنا الباطنة ، فكل ما نلتقي نتذكر تلك السنوات الخوالي ، وخاصة اول و اخر مشاجرة بيننا …

بعد الشهادة الثانوية اخترت انا الدراسة الاكاديمية ، والتحق هو بالكلية الحربية وتخرج ضابطا بالقوات المسلحة ولم اعد التقيه ابدا ، لانه كان لا يمكث الا في مناطق العمليات والتي كانو هم وقودها …

ولم التقيه مرة اخري الا وهو في رتبة المقدم علي ما اظن ، حيث تصادفت احدي اجازاتي ووجودي في السودان ، بأيام زواجه ، وفاجأته في نادي الضباط دون ان يدعوني ، فأقسم لي انه سأل عني ليدعوني وقيل له انني كنت في كمبالا … تسامرنا كثيرا وتذكرنا تلك الايام وافترقنا ، بعد ان وعدني بزيارتي هو وعروسه بعد ان يعود من شهر العسل …
ولم نلتقي بعدها ابدا ، الي ان قرأت نعيه ونبأ استشهاده في دارفور من خلال الفيس بوك و وقتها كنت في كمبالا وذلك قبل ثلاث سنوات تقريبا .
وحقيقة حزنت عليه حزنا لا استطيع ان اعبر عنه واصفه مهما حاولت ان اطوع الكلمات ، فحزني كان كمن فقد قطعة من قلبه ، لانني بفقده فقدت النصف الاخر لأحلي واطيب مرحلة من مراحل حياتي وهي الطفولة الباكرة ….
بكيته يومها كما لم ابك من وما كنت ادري هل ابكي فقدانه ام ابكي فقدان خليل طفولتي ، ام كنت وقتها ابكي الغربة التي اعيشها بعيدا عن الأهل …
سمعت بالطريقة التي استشهد بها وقد كانت موقفا بطوليا منه حيث استشهد معظم جنوده ، فطلبو منه ان ينسحب ، الا انه رفض ذلك وقاتل حتي استشهد …
وقبل يومين قلب (مارك ) علي المواجع حيث عرض لي اسمه وصفحته كي ارسل له طلب صداقة ، للأسف جاء العرض متأخرا جدا جدا ولو كان في زمان آخر قبل اليوم لكنت اكثر سعادة واقل حزنا بهذا العرض ….
اسأل الله له الجنة والمغفرة واسأل الله ان يتقبله قبولا حسنا ويسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين …

بقلم
سالم الأمين

Exit mobile version