لو كانت الكلمات المبثوثة في أثير “الواتساب” صالحة للاحتراق لأدرنا بها محطة إنتاج كهرباء تكفي السودان والدول المجاورة.
أكثر من عشرين مليون سوداني – حسب احصاءاتي الخاصة – يتعاطون “الواتساب” وبشكل يقترب من الإدمان.. مجموعات لا حصر لها في كل مجال.. بعضوية كاملة الدسم يديرون نقاشاً متصلاً أناء الليل وأطراف النهار..
ربما الأخبار وتبادل المعلومات هو الأكثر شيوعاً في هذا الطوفان.. لكن يبقى السؤال الأهم.. هل يصنع “الواتساب” – وحده – رأياً عاماً على مستوى الشارع السوداني؟
الإجابة المفاجئة التي قد لا يتوقعها أحد هي (لا) كبيرة..
من خلال متابعتي اللصيقة اليومية.. لاحظت أن الغالبية العظمى مما يحمله أثير “الواتساب” من رأي ورأي آخر.. لا يصنع أو يشكل الرأي العام بصورة مباشرة أو مؤثرة..
بعبارة أخرى..أثير “الواتساب” يستمد قوة تأثيره فقط عندما يحمل في جوفه رحيق ما تكتبه(الصحافة) بمختلف أنواعها.. الورقية والفضائية (إذاعة وتلفزيون)..
غالبية الرأي المؤثر على الشارع العام يتكون من مقالات أو أعمدة منشورة في الصحف الورقية أو برامج مبثوثة في الفضاء.
وعادة تنشأ ردود الفعل ويفيض بها أثير “الواتساب” من صدى ما تكتبه الصحافة الورقية والفضائية.. صحيح أن طوفان ردود الفعل في أحيانٍ كثيرة يعطي الانطباع بأن “الواتساب” هو الأصل في تحريك الفعل الإعلامي.. لكن الحقيقة عكس ذلك..
من هنا يطفر السؤال.. لماذا تظل الصحافة السودانية اللاعب الأكثر تأثيراً في الإعلام الجماهيري.. رغم ضعفها المادي وأرزاء صناعتها المكلفة.. وضيق مساحة انتشارها جغرافياً في المدن الكبرى بالسودان.. وغيابها بالكامل عن قطاع السودانيين بالخارج إلا عبر مواقعها في الشبكة الدولية..
في تقديري..أن معادلة المسؤولية مقابل الحرية التي يفرضها القانون على الصحافة يجعلها أكثر تحرياً للدقة والموضوعية والصدقية في عملها؛ بحيث يرفع ذلك من قوة تأثيرها لدى المتلقي المباشر الذي يطلع عليها في حالتها الورقية.. أو المتلقي غير المباشر الذي يتابعها عبر “الواتساب” أو مواقع الانترنت الأخرى..
جمهور “الواتساب” يتشكك كثيراً في أي مادة يلقي بها فيضان الرسائل الطافحة.. ولكنه يثق ويطمئن إذا علم أن المادة منقولة عن الصحافة الورقية.. ولهذا ربما يحاول البعض تضليل القارئ ببث مواد يُكتب في مقدمتها، وتنسب لكاتب صحفي أو صحيفة بعينها.. لعلمهم أنها بذلك تحوز على ثقة القارئ في محتواها حتى ولو اختلف معها في الرأي.
وعلى هذا، لا أتوقع أن تنزوي قوة تأثير الصحافة السودانية (الورقية) في القريب المنظور.. فلا تزال الصحافة السودانية – رغم أنف صناعة الصحافة الصعبة – هي الأقوى والأقدر تأثيراً على الشارع العام.