“د. عبد السلام المرضي”: كنت أسير على قدمي حتى تخرجت من الجامعة ولكن..

بدأت معه الإعاقة منذ الصغر نتيجة لخطأ طبي، ورغم أنه ظل قادراً على السير على قدميه، إلا أن أثر الحقنة ما زال يعمل كلما تقدمت به السن وتناقصت القوة الدافعة للأعصاب… وأكمل الجامعة في العام 2002م وهو يسير على قدميه وفي 2004م، وكان داخل على مناقشة الماجستير كسرت يده اليمنى كسراً مركباً وأجريت لها ثلاث عمليات ومن ثم لزم السرير لمدة 7 أشهر، وبعد فك “الجبص” حاول الحركة والوقوف ولكنه لم يستطع الوقوف مجدداً… ورغم هذا لم يستسلم وواصل دراسته حتى نال درجة الدكتوراة في “اللغة العربية” تخصص “نحو وصرف”.. إنه “د. عبد السلام المرضي” من أبناء مدينة الدامر بولاية نهر النيل، حاورناه في المساحة التالية عن هموم الإعاقة والصبر عليها..

حاوره – خالد الفاضل

{ اختيارك للغة العربية مصادفة أم رغبة؟
– في الحقيقة كنت أحب “اللغة العربية” كثيراً، ولكن ما كان في نيتي أن أدرسها بتعمق وكانت رغبتي دراسة القانون، ولكن حكمت عليّ النسبة التي أحرزتها بدخول كلية التربية عطبرة، ومن ثم اخترت أن أتخصص في مجال “اللغة العربية”.
{ ألم تكن الإعاقة عقبة خاصة أنك اخترت طريق التدريس؟
– لم أعتقد في يوماً من الأيام أن الإعاقة قد تكون عقبة في طريقي، فأنا معجب جداً بكثير من أصحاب الإعاقة من أمثال “بشار بن برد” و”أبو العلاء المعري” والدكتور “طه حسين” و”بتهوفن” الموسيقار العالمي… ولكن بعد أن تقدمت للعمل بجامعة وادي النيل بكلية القرآن الكريم ودخلت معاينة وكنت قد تقدمت لوحدي لشغل وظيفة أستاذ مساعد لتدريس “النحو والصرف”، وقد أجبت على جميع الأسئلة إجابات كاملة بالرغم من بعدها عن التخصص المطلوب… وبعد ظهور النتيجة عرفت أن الإعاقة ليست عقبة، ولكن مع الأسف الشديد حتى سادة القوم يجعلونها عقبة وما هي بعقبة… لأن السبب الذي رفضوا تعييني به كان أن تكاليف ترحيلي من “الدامر” وحتى المحمية بالغرب، وبالتحديد في قرية “سقادي” ستكون مكلفة للكلية ولا طاقة للجامعة بدفعها.. ومن هنا علمت العلاقة بين الإعاقة والعقبة.

{ كيف يتعامل الطلاب معك في الجامعة؟
– يتعاملون معي بكل ود وترحاب لأني وفي محاضرتي الأولى دائماً أطلب من طلابي احترامي بقدر ما أقدم لهم من علم.. وأنا بطبعي متفانٍ في أداء عملي وملتزم به جداً، فانا أعمل في مجال التعليم منذ عام 2000م منذ بداية التدريب وحتى الآن، وألحظ الشكوى كثيراً من المعلمين والمعلمات من الطلاب، ولكني شخصيا أجد الاحترام التام من الطلاب وحتى طلاب الجامعة يحرصون وبشدة على حضور محاضراتي.. وكثيراً ما سمعت تعليقات تزيد من همتي ونشاطي… والطلاب هم إخوتي والطالبات أخواتي في الأول والآخر.
{ شخصيات ساعدتك في مسيرتك العلمية؟
– كثيرون هم والله، ففي المرحلة الثانوية أذكر الدكتور “عمر أحمد صديق”، والدكتور “عبد الله النقر مجذوب محمد الأمين”، والأستاذ “معاذ مصطفى عثمان جيب الله”، والأستاذ “عثمان مصطفى عثمان جيب الله”، والأستاذ “البطحاني “وغيرهم.. أما في مرحلة الجامعة فهناك الدكتور الإنسان الرقيق الحبيب الغالي الدكتور “محمد جاويش محمد الطيب”، هذا العالم الجليل لن أستطيع أن أفيه حقه مهما ذكرت من كلمات وهو لم يفارقني، وكان مشرفي في بحثي التخرج والماجستير ومشرف ثانٍ في الدكتوراة، ومنه تعلمت الكثير فجزاه الله أحسن ما جزى به عباده المخلصين.. ولا أنسى الأب الرؤوف الودود الأستاذ “عبد الرازق ميرغني محمد خير” والأخ الغالي جداً أبو بكر عبد الله الطيب (بكور).. وغيرهم ممن لا يسع المجال لذكرهم.
{ ما هو إسهامك في معالجة هموم المعاقين بـ”الدامر”؟
– أنا أقف الآن في مقدمة الركب وأقود اتحاد محلية الدامر من نجاح إلى نجاح، فالجميع يعلم ما يعانيه المعاق في كافة مناحي البلاد.. وقلة الموارد المالية التي تعاني منها اتحادات المعاقين بصورة عامة.. والحمد لله بعد أن أصبحت رئيساً لاتحاد (محلية الدامر) قمت بتحويل مبنى الاتحاد من دار مستأجرة بمبلغ 300 جنيه إلى دار مستأجرة بمبلغ 1500 جنيه.. وفي سعي أيضاً لبناء دار للاتحاد في قطعة الأرض المسجلة باسم الاتحاد.. كذلك قمت بتسلم عقد إيجار قطعة أرض زراعية تبلغ مساحتها 40 فداناً لتسجل باسم الاتحاد ومن ثم استثمارها فيما بعد..
{ في رأيك هل يجد المعاقون بالسودان عامة رعاية من الدولة؟
– في رأيي الشخصي تتوفر بعض الرعاية بنسب قليلة جداً، فمثلاً موضوع دعم الاتحادات معدوم ويكاد ما يصلنا منه لا يغطي إيجار الدار لمدة شهر واحد.. فتخيل دار اتحاد يبلغ عدد أعضائه أكثر من 420 فردا تدعم شهرياً بمبلغ ألف جنيه فقط شهرياً.. وتصله سنوياً سبع أو خمس دراجات معاقين.. وفي هذا العام بالذات لم تصلنا ولا دراجة واحدة، بل استلمنا من ديوان الزكاة بمحلية الدامر عدد اثنين (تكتك) منتج لمعاقين فقط.. ولكننا وبعد أن أصبح السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيساً لمجلس المعاقين فنحن نستبشر به خيراً.
{ موقف حزين مر بك وآخر أفرحك؟
– والله المواقف المحزنة كثيرة جداً، ولكني لم أحزن يوماً كما حزنت لعدم منحي الوظيفة بجامعة وادي النيل، وما أحزنني بحق هو تلك الحجة غير المقنعة حتى لإدارة جامعة وادي النيل نفسها، فكثيرون منهم استغربوا لعدم تعييني لأنهم يعلمون قدراتي تماماً.. قالوا ما بنقدر نتحمل تكاليف ترحيله العالية وكأنني بضاعة تباع وتشترى.. وهنا فقط وكما ذكرت لك عرفت الفرق بين الإعاقة والعقبة….. أما عن الموقف المفرح فما زلت في انتظاره ليكون بحجم الموقف المحزن الذي سردته لك قبل قليل…
{ حلم لم يتحقق بعد؟
– هو في رحم الغيب، ولكن تباشيره بدأت تلوح في الأفق ولك أن تدعو لي بالتوفيق فيه… والأحلام عموما كثيرة ومن أهمها حالياً أن أجد وظيفة أعيش بها حياة كريمة لا غير.. فهل من إذن صاغية؟.

المجهر السياسي

Exit mobile version