من عطايا (الدنيا) المُعولمة التي أهدتها للبشرية أنها اختزلت الكثير من الإجراءات، وأطاحت بالبيروقراطية وجعلت الوقت أكثر نعومة وسلاسة، هذه العطايا عمت كل الدول إلا من لا ترغب حكوماتها في إسعاد الشعوب، فتنزع إلى حرمانها من تلك العطايا المبذولة (مجانًا).
ولكي لا تُنازعني مساحة المقام هنا وقتي، أجدني مضطرًا للهرولة إلى وزارة التربية والتعليم الاتحادية وتوابعها في الولايات، أتحسس أداءها على المستويين الأكاديمي والإداري، فأجدها عاجزة عن الإثمار فيهما، حتى غدت كأنها المعنية ببيت الشعر القديم (فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا).
وأول أمس، كان يومًا مفترضًا لاختبار (تسهيلات) الوزارة المقترحة، فهيأنا أنفسنا للاحتفاء بها والثناء عليها، إذ أعلنت عبر الصحف أن الشهادة السودانية سيتم تسلمها هذا العام من المدارس يوم الأحد 31 يوليو المنصرم، وعلى الطلاب الناجحين التوجه إلى مدارسهم للحصول عليها، فانكب الطلاب منذ الصباح الباكر وانتظروا إلى أن انحسر العصر وكاد المغرب أن يلج فيه، ثم انصرفوا خائبين وعادوا إلى حيث أتوا ليس بخفيّ حنين فحسب، بل لم يجدوا من يمن عليهم بإجابة عن (متى نعود إذن؟)، لأن لا مديري المدارس ولا طاقمها يعرف ماذا حدث!
بطبيعة الحال، ليس ثمة توصيف دقيق لما حدث إلا القول بعشوائية العمل في تلك الوزارة، عشوائية تتبدى في كل سياساتها، من المنهج إلى البيئة التعليمية إلى الكادر العامل في هذا القطاع الحيوي والمهم، بل والأهم على الإطلاق، ومرورًا بكل شيء يمكن لأي أحد أن يتصوره.
والحق يقال، إنني كنت منتصف نهار الأحد في مدرسة الخرطوم القديمة رفقة ابني (منسوبها)، متصورًا أن الوزارة لا يمكن أن تعلن عن أمر غير متأكدة منه، وأن الشهادات لا محالة موجودة في المدرسة، فإذا بي أفاجأ أن الأمر كان محض مزحة أطلقتها وزارة التربية والتعليم على صفحات يوميات الخرطوم، ثم لاذت بالصمت لأن من أخرجتهم من (ديارهم) إلى مدارسها صباح الأحد لا يستحقون حتى الاعتذار، ولو كان من (دلس) عليهم وزارة (للتربية)، والتربية (سلوك)، بحسب معرفتي المتواضعة.
ويوم الأحد في الخرطوم القديمة، قال لي مديرها، لا أعرف شيئًا عن الأمر “الوزارة أعلنته لكن الشهادات ما جاتنا”، فإذا كانت التربية والتعليم تضن بمعلومة صغيرة عن إدارات مدارسها كي تعتذر بـ (إجابة) نيابة عنها، فمن باب أولى أن لا تعتذر عما فعلت بمنسوبيها التلاميذ وأولياء أمورهم وبما فعلت بالصحف كونها سربت إليها خبرًا غير صحيح.