في العام 1995م مبارك يأمر الجيش بمحاصرة وطرد القوات السودانية من حلايب
د. معتصم الحاج: حديث والي البحر الأحمر عن تنمية حلايب عمل دعائي
د. الطيب زين العابدين: حلايب حق وأرض أخذت بقوة السلاح ولن تعاد بالطرق السلمية
في مايو من العام 1993 قدمت الحكومة مذكرة احتجاجية للأمم المتحدة تشكو فيها من تمدد السلطات المصرية في أراض سودانية في مثلث حلايب الموجود داخل الحدود السودانية، وفي يوليو من العام 1994 أرسلت الحكومة مذكرة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمة الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، تشكو الحكومة المصرية وتتهمها فيها بشن القوات المصرية تسع وثلاثين غارة داخل الحدود السودانية، منذ تقديم الحكومة للمذكرة السابقة، وأعقب ذلك رفض الرئيس المصري الأسبق حسنى مبارك في 1995م مشاركة الحكومة المصرية في مفاوضات وزراء خارجية منظمة الاتحاد الأفريقي في إديس أبابا لحل النزاع الحدودي ليأتي مبارك نفسه ويأمر في ذات العام بمحاصرة وطرد القوات السودانية من حلايب وفرض الحكومة المصرية إدارتها على المنطقة بعد أن اتهمت الحكومة المصرية نظيرتها السودانية بالتخطيط لعملية اغتيال مبارك في أديس أبابا، وعندها حاولت السلطات المصرية إغلاق مركز التجارة السودانية المصرية في شلاتين لتدين لها سيطرة جزئية على المنطقة التي أكملت احتلالها في العام 2000 عندما قامت الحكومة بسحب قواتها من حلايب وقامت القوات المصرية بفرض سيطرتها على المنطقة منذ ذلك الحين.
وطوال السنوات الست عشرة الماضية كانت حلايب وشلاتين وأبو رماد خارج السيطرة الإدارية لحكومة السودان، وبالمقابل تنامت نزعة الامتلاك الاحتلالي عليها من الجانب المصري الذي أصبح يمنع حتى المواطنين من الدخول والخروج من المثلث جنوباً، بينما انسحبت الإدارة السودانية جنوباً نحو مدينة أوسيف، وأصبحت تطلق عليها مجازاً اسم حلايب لتكتفي بالاسم والوقوف على الأطلال بالإضافة إلى شكوى أممية تجددها كل عام وتصريحات هنا وهناك، لذا فإن الخطوة التي اتخذتها الحكومة أمس الأول بعقد اجتماع لمناقشة قضايا الخدمات في مثلت حلايب عبر لجنة وزارية يمثل فقرة جديدة في كتاب القضية التي ظلت معلقة منذ أمد بعيد سيما وأن اللجنة دعت لاستيعاب أبناء حلايب في الخدمة المدنية والعسكرية فضلاً عن تمثيلهم في الحكومة والاتجاه لتوفير خدمات الصحة والتعليم لمن هم داخل المثلث.
رد فعل
بحسب مراقبين تحدثوا لـ(الصيحة) فإن الخطوة قد جاءت متأخرة كثيرًا سيما أن مصر التي تحتل المنطقة سبقت الحكومة السودانية وأرست عدداً كبيراً من الخدمات بالمنطقة وشيدت عدداً من المدارس والشوارع ووصل الأمر هناك درجة أن إبراء الذمة والشراء في مثلث حلايب أضحى يتم بالعملة المصرية ووصل الحال إلى أنه لا يستطيع سوداني عبور المنطقة إلا عبر إجراءات دخول تفرضها الحكومة المصرية، مشيرين إلى أن الوجود المصري الطويل في المنطقة جعلها تصل حتى إلى مرحلة استخراج الجنسيات المصرية للسكان.
ويشير المراقبون إلى أن مناقشة أمر الخدمات في المنطقة من قبل الحكومة السودانية بعد كل هذه المدة ما هو إلا رد فعل للخدمات التي وفرتها الحكومة المصرية. ويرى المراقبون أن تساهل الحكومة في التعامل مع ملف حلايب رتب استياءً لدى المواطن ليس على هذه الحكومة فقط، إنما حتى على الحكومات المتعاقبة كونها لم تبد الجدية المطلوبة لاستعادة المناطق المحتلة، ولم تحارب لرد المناطق التي اقتطعت من مساحة البلاد، الأمر الذي دعا لاستباحة الحدود السودانية ليس حلايب فقط بل حتى في الشرق مع دولة إثيوبيا وفي الجنوب مع كينيا قبل انفصال جنوب السودان.
خطوة انصرافية دعائية
خبراء وصفوا الخطوة التي تدعو لها الحكومة لاستيعاب أبناء حلايب في الخدمة المدنية والعسكرية بأنها خطوة انصرافية وعمل دعائي لا ينطبق على الواقع، إذ أن القضية برمتها قضية دبلوماسية في المقام الأول، كما أنها قضية قانونية تتصل بالحدود المشتركة بين مصر والسودان والخلاف حولها.
وراهن المحلل السياسي د. معتصم أحمد الحاج في تصريح لـ(الصيحة) على ضرورة معالجة الخلاف بين البلدين في قضية حلايب لحل القضية ومن بعدها تأتي خطوة توفير الخدمات مؤكداً أنه إذا لم يتم اتباع تلك الخطوات فإن إثارة القضية قد تؤدي إلى مزيد من التوترات بين مصر والسودان وداعياً إلى ضرورة حسم الخلاف القانوني بين البلدين معتبراً أن الأمر برمته يحكمه القانون، وقال إن كل الحدود السودانية في البلاد تعاني من المشاكل ابتداء من الحدود مع مصر ثم مع إثيوبيا، والبلدة الوليدة في جنوب السودان وانتهاء بأفريقيا الوسطى. وقلل من جدوى عدد من الخطوات التي تتخذها البلاد لحل مشاكل مشدداً على أن مشاكل الحدود لا تحل عبر التفاوض.
ضد التصعيد
د. معتصم في حديثه يرى أن حديث والي البحر الأحمر علي أحمد حامد عقب اجتماع اللجنة المكلفة لمعالجة أوضاع السودانيين بمنطقة حلايب وتأكيده على ضرورة تكامل الجهود بين الولاية والوزارات المختصة لتطوير الخدمات التي تساعد كثيراً على استقرار المواطن في مثلث حلايب، ما هو إلا عمل دعائي من واقع أن حلايب خارج سيطرة الحكومة، ولم يستطع حتى مساعد رئيس الجمهورية دخولها في وقت سابق. إلا أن د. معتصم عاد وقال إن الحكومة السودانية غير راغبة في تصعيد الأمور مع دولة جارة وشقيقة، وأضاف أن الحكومة تريد معالجة القضية وفقاً لحكم القانون وقطع بأن السياسيين لا يستطيعون أن يعملوا على حل المشكلة لكنهم يمكن أن يتمكنوا من تحويل المنطقة إلى منطقة تكامل، إلا أن الخبير السياسي إبراهيم ميرغني كان له رأي مخالف إذ يعتبر في حديثه لـ(الصيحة) أن مسألة ترغيب قاطني منطقة حلايب ببعض المحفزات أمر مهم، لكنه أمن على أن خطوة ترغيب المواطن من قبل الحكومة السودانية جاءت متأخرة إذ أن إغراءات الحكومة المصرية كانت متقدمة على نظيرتها السودانية وهذا بالطبع يشجع المواطن على اختيار مصر موطناً مؤكداً أن الظروف المعيشية الطاردة بالبلاد دعت إلى هجرة من هم بالداخل ناهيك عن مواطني حلايب.
قوة السلاح
إبراهيم ميرغني اعتبر أن مسألة التحكيم ربما تمثل الحل الأمثل لضم مثلث حلايب إلى السودان مؤكداً أن السودان يسير في طريق التفكك. وأضاف: ما نراه شيء غير مبشر بالنسبة لمستقبل الدولة خاصة أن الحكومة لا تبدي الجدية في ملف حلايب لجهة أن كثرة المشاكل التي تعاني منها الحكومة وتوزيع همومها بين تلك المشاكل ودعا إلى ضرورة تدخل الدبلوماسية الشعبية في القضية بجانب الدبلوماسية الرسمية إلا أن أستاذ العلوم السياسية د. الطيب زين العابدين رأى أن خطوة اللجنة الوزارية بتقديم المحفزات لسكان حلايب لا تحل المشكلة، سيما أن المصريين وفروا خدمات أكثر من الحكومة السودانية. وقال في حديث لـ(الصيحة) إن العمل الذي تقوم به اللجنة الوزارية نوع من الحلول الانصرافية، معتبراً الحكومة فرطت في عدد من أراضي المنطقة إلى أن وصل الحال أن يستولي على مناطق البلاد المزارعون الأمر الذي يعتبر عدم احترام لحدود السودان، وقال إن الجيش السوداني لم يسبق له أن دافع عن الحدود السودانية إذ ظل يقاتل في جبهات عديدة ضد الحركات المتمردة في الشمال والنيل الأزرق وأردف أن المشكلة تكمن في أن حلايب حق وأرض أخذت بقوة السلاح ولن تعاد بالطرق السلمية.
الخرطوم: إبتسام حسن
صحيفة الصيحة