قرأتُ مرّة، أن كازنتازكي، الذي حتمًا لا يختلف عن بطل روايته «زوربا» في تعامله مع الحياة، بتلك الطريقة الفلسفيّة النادرة، التي خلقت له ملايين الأتباع بين قرّائه في العالم، كتب في سيرته الذاتيّة، أنّه كان يزور أثينا، المدينة التي ملأته بالدهشة والحبور، وقد سعِد يومها سعادة بالغة، أوصلته إلى الذعـر، لشعوره بأنّ الشياطين أخذت تُراقبه وتترصَّده.
ولأنّه يُؤمِن بأنّ لكلِّ سعادة ثمنًا، هَـرَع إلى السوق واشترى حذاءً ضيِّقًا وانتعله ليضغط على قدميه بشدَّة، فيتألَّم أثناء تجواله في المدينة.
الكاتب الذي علّمنا أن نحتاط من السعادة، ونحتفي بالفجائع حدِّ الرقص، فضَّل بذلك الحذاء الضيِّق الذي انتعله، أن يدفع ثمنًا يعرفه لهذه السعادة التي يعيشها، بدل أن يترقَّـب ثمنًا غيبيًّا سيهبط على رأسه، كوارث ومصائب من حيث لا يحتسب.
أتكون النعمة الحقيقية في النهاية هي في أن تستطيع اختيار مصائبك، ومصدر ألمك، فتشتري سريرًا لا ترتاح في النوم عليه، كي تُكفِّر عن إثم سعادتك في النهار، وتنتَعِل في النهار حذاءً أضيَق من قدميك، تكفيرًا عن عناوين السعادة التي يُوصلك إليها، وتشقَى في القيام بالأشغال المنزلية في بيتك، أكثر من شقاء شغّالة هي في متناول جيبك، كي تحلّ البركة في ذلك البيت، ولا يأتي يوم يُسلِّط الله فيه عليك سيّدًا، أو تستيقظ يومًا، ولا بيت لك؟
فلسفة عجيبة حقًا تستحق التأمل ، تركها لنا الكاتب الذي أوصى زوربا خيرًا بنا .