(أفريقيا القديمة تكتشف من جديد)، كتاب يسرد تاريخ القارة (جنوب الصحراء) وسكانها خلال (1500) سنة أو أكثر لما قبل الاستعمار الأوروبي، الكتاب من تأليف (باسيل دايفيدسون) وترجمة (نبيل بدر وسعد زغلول) ومراجعة (محمود شوقي الكيّال)، ويقع في (129) صفحة من القطع الكبير، عن الدار القومية للطباعة والنشر المصرية.
لست متأكدًا ما إذا كانت تلك المُقدمة ضرورية لخدمة فكرتي أم لا؟ لكنني دفعت بها كيما أُحفز وأُحرض الكثير ممن يكتبون عن الثقافة والهوية السودانية ممن لا يتوفرون إلاّ على معرفة شحيحة جدًا (شفهيِّة) في الغالب عن الصدد هذا، وهؤلاء جلهم ممن يرفدون وسائل الإعلام والمُجتمع والطلاب والباحثين بمعلومات خاطئة ثم لا يتوانى هؤلاء في نشرها وإذاعتها يلتبسهم يقين تام بأن من صدرت عنهم لا يأتيهم باطِل من بين يديهم ولا من خلفهم كونهم مُلاّك المعرفة المطلقة واليقينية، وهم في الحقيقة مُخطرفون (لفاحون) لا أكثر لا أقل.
بطبيعة الحال، ولأن المقام مقام حوار عن (أفريقيا القديمة تُكتشفُ من جديد) يُجدر بنا أن نأتي باقتباسات من (باسيل دايفيدسون)، إذ يقول: “لقد افترى العالم على الأفريقيين وأنكر عليهم أن تكون لهم حضارة قديمة من صنع أيديهم، وقيل في ذلك: إنه لو كان لهم تاريخ فإنه لا يستحق الرواية”. وهكذا يدعي بعض العروبيين السودانيين أنه لولاهم لرزحت البلاد في جهل عميم وتخلف مقيم، يقولون ذلك وهم ينظرون مباشرة إلى تلك الحضارات السودانية العظيمة التي لا تزال آثارها قائمة إلى اليوم.
بطبيعة الحال، فإن الإشارة في هذا الصدد إلى المعاناة التي رزح تحت وطأتها تأريخ الثقافة والهوية السودانية، حيث شهد ألوانًا من التزييف المريع والتحامل الصارخ والأقصاء لكل ما هو حقيقة فعم الزيف وحلّ وطغى، فيما انحسرت الحقائق وتلاشت، ومن تلك الحقائق اسم السودان نفسه وما يلحق به من توصيف للتركيبة الديموغرافية القاطنة في بقاعه العريضة.
يقول الكتاب: “كانت الزراعة منتشرة ومستقرة على صفتي النيل الأدنى منذ ما قبل الميلاد، إذ أن السودانيين النوبيين كانوا فعالين ونشطين في هذا الصدد، فيما كان السودانيون من الشعوب الليبية غرب النيل يرعون قطعانًا هائلة من الماشية، وكانت التجارة مزدهرة في بلاد السودان الأخرى خاصة بنت وكوش وإثيوبيا، وازدهرت ممالك سودانية في تشاد، والنيجر وغابات الكونغو ومرتفعات أوغندة”.
ويقول: في القرن الرابع بعد الميلاد سقطت ميرو (مروي) في قبضة أكسوم، وبعد مائة سنة (أي في القرن الخامس الميلادي) من ذلك بدأت السجلات المكتوبة لغرب أفريقيا وهي سجلات مكتوبة يمكن فهمها لأنها مكتوبة بلغة عربية صحيحة، بعكس النقوش الهيروغليفية في مروي، فحين وصل المسلمون إلى أفريقيا الغربية عن طريق المحيط الأطلسي، بدأوا بالدفع ببعثاتهم الأولى عبر الصحراء شرقًا إلى السودان، أي أراضي السافنا الواقعة بين المحيط الأطلنطي وحدود السودان النيلي حيث الوجود العربي لم يكن إلا عارضًا وطفيفًا جدًا ولأسباب تجارية، فالسكان الأصليون من السودان هنا كانوا من الكوشيين وهم (القادان شرق بحيرة تشاد ويعيشون اليوم في وادي دارفور، والأحباش والقبط والبربر).
*نواصل.