(أخبرتني السلطات المصرية أن الحكومة السودانية طلبت عدم تطبيق اتفاقية الحريات الأربع)، هذا ما قاله – في تصريحات صحفية – نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس الوطني متوكل محمود التجاني، مضيفاً بأن الحكومة نفت تقديمها طلباً بهذا الشأن.. وما بين حديث السلطات المصرية والسودانية تنهض مطالب وأصوات هنا وهناك تطالب بمعاملة المصريين بالمثل خاصة وأن مصر بدأت في الأسابيع المنصرمة بإلقاء القبض على كل سوداني لا يحمل (ختم الإقامة)، والقت بهم في أقسام السجون الموزعة على أحياء القاهرة، متوكل التيجاني كان من ضمن تلك الأصوات التي طالبت بالمعاملة بالمثل، وقال بأن الخرطوم ينبغي أن تعامل القاهرة بالمثل، فهل تستجيب الحكومة لمثل هذه المطالب؟ وهل السودان ملزم بتطبيق اتفاقيات الحريات الأربع التي وقعها؟
مراجعة مواقف
الحكومة المصرية لم تطبق الحريات الأربع منذ أن تم التوقيع عليها، وتماطلت في تنفيذ بنود الاتفاقية، إلا أن الحكومة لم تكن تعتقل أو تقبض على سوداني في مصر بسبب عدم الحصول على الإقامة بل كانت تغض الطرف عن ذلك، هذا إذا علمنا أن المواطن السوداني في مصر يعامل معاملة المصري، فالسوداني يشتري تذكرة بقيمة تذكرة المصري لدخول المتحف الوطني بالقاهرة – مثلاً- أو دخول مستشفى حكومي، بمعنى أن تسعيرة تذاكر السودانيين لأي مؤسسة مصرية هي ذات تسعيرة المواطن المصري وهي خلاف تسعيرة بقية الشعوب الأخرى، سواء العربية أو الافريقية او حتى دول أوربا، الخلاصة أن مصر لم تكن تعامل السودانيين كأجانب في أراضيها، وحتى اللحظة فإن مصر تفعل ذلك إلا أنها بدأت في التشديد على حصول السودانيين على الإقامة المصرية، وبدأت تلاحقهم في شوارع مصر وأزقتها، الأمر الذي أغضب الكثير من المسؤولين السودانيين، ليطالبوا بمراجعة مواقف الخرطوم من القاهرة تجاه القضايا المصرية كما قال التجاني في تصريحات صحفية بالبرلمان، مضيفاً بأن على إدارة الملف العربي بوزارة الخارجية مراجعة كل الاتفاقيات بين البلدين، مشيراً إلى أن علاقة السودان ومصر ظلت تتأرجح من جين لآخر بسبب بعض الأزمات كقضية حلايب، متهماً السلطات المصرية بعدم تطبيق اتفاقية الحريات الأربع الموقعة بين البلدين وقال التجاني: “ينبغي أن نعامل مصر بالمثل كما يعاملوننا، ولا فرق بين مصر وأي دولة أخرى”، مطالباً السفارة السودانية بمصر والقنصلية بالتحرك تجاه رعاياهم والوصول لأي اتفاق مع السلطات المصرية لإطلاق سراح السودانيين الموقوفين لانتهاء تأشيراتهم وإعادتهم للبلاد، مشيراً إلى أنهم لا يستطيعون مطالبة المصريين بإطلاق سراحهم لأن توقيفهم تم وفقاً للقانون لأنهم مخالفون.
دبلوماسية ناعمة
السؤال: هل يمكن أن تعامل السودان مصر بالمثل؟ السفير الرشيد أبو شامة يرد في حديث لـ(الصيحة) أن من الممكن جداً أن نعامل القاهرة بالمثل، فالمصريون لا يطبقون الاتفاقية وبالتالي فإن الخرطوم – قانوناً – في حل من الالتزام بتنفيذ الاتفاقية، إلا إذا كانت الحكومة لديها موقف آخر، ووصف أبو شامه الدبلوماسية السودانية تجاه مصر بالدبلوماسية الناعمة مؤكدًا ان الخرطوم لا تريد أن تخسر مصر بأي حال من الأحوال، وطرح أبو شامة سؤالاً قال إنه سؤال مهم وإجابته أكثر أهمية: هل وجود المصريين في السودان يؤثر على البلاد بأي شكل من الأشكال، إن كان وجودهم مؤثرًا بشكل سلبي ينبغي على الحكومة أن تعامل المصريين بالمثل، أما إذا كان وجودهم غير مؤثر فيمكن أن نغض الطرف، خاصة وأن معظم المصريين الموجودين في البلاد هم مهنيون وحرفيون.
19 مصرياً بالسجون السودانية
بعض المراقبين يرون أن مصر حالة خاصة لا ينبغي أن نعاملها كما نعامل بقية الدول، وهذا ما يؤكده نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان د. عبد الجليل عجبين في حديثه لـ(الصيحة) عندما قال إنه لا يمكن أن نعامل مصر بالمثل وينبغي أن نراعي مصالح 5 ملايين سوداني بمصر، سكنوا هناك تجارة ودراسة، وتزوجوا وأنجبوا، وقال عجبين إن مشكلة السودانيين في مصر يمكن أن تحل عن طريق الدبلوماسية الشعبية كإيفاد لجنة من الصداقة الشعبية المصرية السودانية. مشددا على استنهاض القيم لدى المصريين الرسميين وقال “أنا متأكد من أن الحكومة المصرية ستستجيب وتطلق سراحهم”، وكشف عبد الجليل عجبين عن وجود 19 مصرياً بالسجون السودانية دخلوا الى البلاد من غير أوراق ثبوتية، مؤكداً أنهم يتابعون الأمر مع السلطات بعد حضور أهالي المسجونين للبرلمان وأخذهم وعود من لجنة حقوق الإنسان بالمجلس الوطني بإطلاق سراحهم، وأكد عجبين أن التصعيد مع مصر لن يحل مشكلة اطلاقاً مشيراً الى أن العلاقات بين البلدين لا تربطها الأنظمة بل يربطها الشعبان.
مقدم ومؤخر
ما بين الحديث عن إمكانية معاملة مصر بالمثل تبقى هناك الكثير من القضايا العالقة منها ما هو مقدم كحبس السودانيين الذين لا يملكون إقامة والزج بهم في السجون أولاً .. وثانياً قضية إعادة الآليات التي صادرتها مصر من المعدنين السودانيين، أما القضايا المؤخرة .. فتبقى قضية حلايب هاجساً للحكومتين، خاصة وقد رفض المصريون فيها التحكيم الدولي .. ويبقى السؤال، ما هو مصير العلاقات بين البلدين في ظل هذه الظروف؟
الصيحة