كيف يمكننا التعرف على الإنسان المتدين والتعريف به، وهل هناك شروط معينة يجب توفرها في هذا الشخص تسهل علينا عملية التعرف هذه، وإذا وجدت هذه الشروط هل هي شروط مستنبطة من الدين، هل الدين حدد لنا الكيفية التي تجعلنا نفرز الشخص المتدين من غيره، أم هي شروط مجتمعية، تنتجها الظروف والملابسات الظرفية وتغذيها المتغيرات التاريخية والسياسية؟. وهل صورة المتدين الشائعة الآن تقدم وجها حقيقيا للتدين في معناه الخير، أم أن للتدين الشائع عدة صور تجعلنا نواجه صعوبة حقيقية في تحديد الوجه الصحيح منها واعتماده بالتالي نموذجا للإنسان المتدين، وهل نحن في حاجة أصلا إلى ابتكار معيار نحدد به المتدين من الذي يدعي التدين؟؟
اللحية الكثة وسيماء الصلاة والمسبحة، يعتبرها الكثيرون أبرز العلامات الدالة على الإنسان المتدين، الذي يجب أن يعني بدوره ذلك الشخص الملتزم دينيا، الذي يخاف الله في كل كبيرة وصغيرة، الذي يفترض أنه: لا يغش، غير مخادع، أمين، حريص على شرف الجميع، يؤثر الآخرين على نفسه، لديه الحكمة والعدل في حال لجأ إليه الآخرون في حال نشوب أي مشكلة أو نزاع. لكن هل هذه العلامات الظاهرية تؤكد فعلا على أن هذا الشخص يمتلك هذه الصفات الروحية القيمية النبيلة؟ أليس من الممكن أنه يستخدمها فقط للتمويه والاستتار لتمرير جرائم كثيرة يمارسها من ورائها؟؟
الغاضب المتوعد صاحب الوجه الكالح والذي لا يفتأ يصرخ في وجه كل من يقابله ناقدا ومنذرا بالويل والعذاب، هل هذا الشخص بعصبيته الشديدة وما يبديه من حرص عنيف على مظاهر الدين، يمثل الشخص المتدين؟ هل حري بالناس الوقوف عند هذا النموذج الساخط على كل مظهر حياتي والاستماع إليه والعمل بما يدعو إليه من آراء دينية يعتقد بصحتها؟ هل هو نموذج حقيقي للإنسان المتدين أم أنه صورة منفرة تباعد بين الناس والدعوة بهذه الصورة الحادة؟
شكل آخر للمتدين، ينشأ معتزلا الناس، صموتا، يقضي أغلب وقته في المسجد، يجد نفسه بين الزوار الأغراب من الدعاة الباكستانيين والأفغانيين وغيرهم. قد يبدو خدوما وخجولا وطيبا إلى أبعد الحدود، لا يؤذي أحدا ولا يتحدث في ما لا يعنيه، لكن قد تسمع به فجأة وقد سافر إلى إحدى الدول الملتهبة بالحروب، في الحقيقة تسمع خبر موته بعد أن فجر نفسه منتحرا وقتل معه العشرات أو المئات.. هل هو نموذج للمتدين الرسالي الانتحاري الذي يجب على الناس الانتباه له والسير في أثره؟
هناك نموذج آخر لـ “المتدينين”، تراهم يركبون فاخر العربات، يقاتلون لأجل السلطة، ويسرقون الأموال نهارا جهارا، ولا ينفكون يحدثون الناس عن الجنة والنار والحور العين.. ماذا نفعل لهم؟
من هو المتدين؟