نعي النعاة ، حسن البطري ، لم يهاتفني احد ، اذ عبرت عدوا فوق نداءات هاتفي مع بواكير الصباح ، اكره زوار الالياف الصوتية في هذا التوقيت ، اذ لا تطرق بخير ، فهي في أرجح تفاسيرها اما انك تشيع لك عزيزا او تبرقك باختصار مفجع ، ومثل عادة هذا الزمان ، مسست هاتفي انضح اشباح احرف (مكالمة فائتة) عن سطح الشاشة لتبرز لي عناوين المجموعات مثل رؤوس الشواهد ، كان (البطري) هناك يقف في (أيقونة) بسام الطلعة وفي اخري بدت وكأنها التقطت في محفل خطابة ، إستيقنت نفسي ما كنت احدس ، مات (حسن) ، تقلبت في مرقدي ، لسع ما فك خمول هدئتي ، تسلل دمع من عيني ، لذع حريق تمدد داخلي ، احساس بالالم شاع حوالي ، دفنت راسي علي الوسادة اطلق زفر مشوب بالنشيج ، بكيت ونحت ، اسد فمي بالوسادة ، اتشرب الدمع الذي غسل وجهي ، انقلبت اواجه جدران الغرفة عند مقام السقف ، سيل ذكريات واطياف ذكري تقيم الرجل امامي ، بجسده الضئيل وابتسامة ترتخي وتتدلي علي ملامحه فلا يسحبها وانما يسحبك اليها بهيئته المحايدة تلك ، اذكره منذ اول ايام لقائي به ، حينما تيقنت فيه تفسير مفردة ان فلانا (وديع) كان البطري وديع بشكل مربك ، لي فظاظة تتكسر قساوتها امام من تكسوه الوداعة والتهذيب لذا سريعا ما كنت من مقام (الصديق ) عنده ، زاملته وعايشته في اكثر من صحيفة يكتب بذات السمت الذي يعيش به في حياة اقامها بين الادب والثقافة وحتي حينما يغشي السياسة فانه يديرها بين عروض الشعر واسانيد الادب ، حينما اعتل علته الاخيرة لا اخفي اني اشفقت عليه وقدمت حزني ، قلت لنفسي (حسن) اكثر رقة من قدرته علي معافرة غاشية المرض ، البطري لا يملك لؤم اعتراكات النوائب ولو كانت اقدار الرجال حتمية ، تحاشيت ان أزوره ، عاتبني ذات حين سرا قال ساموت يا محمد ، قالها بلا اكتراث وهو يعيد بناء سطر علي مقال كان يرص فكرته ، قلت جهرا ان بطبعي ضعفا أتجنب بسببه مواطن وجدي علي من احب ، قال اتنعيني يا محمد قلت ، لا انعيك ، اذ لم يعد للموت عندي الا مقام الواقعية الجرداء بيد اني لم اقف لليوم علي أحتواء لسد ثقب من يعبرونا من قلوبنا اليه ، قلت يا (حسن) اعتراض الناس بالاحزان علي نفاذ الاجال ليس خروجا علي نص المشيئة ولكنه ولوجا لحقيقة ان عزيزا قد خرج عن صفنا الممتد ، صف عموم الحياة ، والسعيد من يفارق او يبقي وهو حاضر في اختلاجات التفاصيل ووسوم الذكري
اليوم وقد مات الاستاذ (البطري) اقر واعترف بأن انسانا (طيب) قد طوي اثره في الثري ، سيكتب العشرات مراثي جميلة ، تكتحل بهيبة الحديث سيكتشف ربما ان كشف عنه غشائه انه ودع بدموع حارة ومآقي محمرة ، وكلمات نضيرات ، تقوم مثل الازاهير في احواض البيان ولو اننا كلنا جميعنا تعلمنا فضيلة البوح في الوقت المناسب ، واطلقناه لربما اسهمت كلماتنا في نثر ضوع عرفان تجعل حتي مسارات الجنائز دروب وفاء ….
محمد حامد جمعة
*الصورة اعلاه
حسن البطري