منى عبد الفتاح : الإرهاب ما بين العقل والجنون

يبدو أن البعض يردد مقولة أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، دون إدراك معناها أو الإيمان بها، من جهة أنها أصبحت بوقا شعاراتيا أكثر منها معنى حقيقيا، يساهم فهمه في تحليل مثل هذه الجرائم الفتاكة والتي تجاوز حجمها ما يمكن أن يُطلق عليه وصف ظاهرة.
وعدم الإيمان بالمقولة يباعد ما بينها وبين الفعل، ويخرج فعل القتل والترويع عن دائرة الإرهاب الموسوم غربيا بتعريف معين أيا كان الدافع. كما أن وصم القاتل بأنه مختل عقليا يخرج بقية القتلة عن هذه الدائرة ويتوسم فيهم بعض العقل مع أن فعل القتل لا بد وأن ينفذه من يصاب بلوثة ما، عقلية أو فكرية أو مذهبية حتى لو كانت مؤقتة.
فحين أعلن مدير مكتب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بيتر ألتماير، أن السلطات لا يمكنها تأكيد إن كان حادث إطلاق النار في ميونخ الجمعة الماضي يمثل عملا إرهابيا، أم لا؛ فهو يعني بغير قليل من التأكيد أن هذا الفعل لو كان من مسلم وينتمي إلى داعش أو غيرها فإن فعله إرهابي، ولو كان الدافع آخر فسيخرجه ذلك من هذه الدائرة اللعينة. وربما يتم التعاطف معه إلى حين علاجه أو تأهيله حتى يصبح في قائمة العقلاء ومن ثم يدخل أيا من التنظيمات الإرهابية ليمارس القتل بفهم وانتماء أكبر لعالم الإرهاب.
وعندما تأكدت الشرطة الألمانية من أن داعش لا دخل لها بهذه الهجمات بقولها إن المسلح الذي قتل 9 أشخاص رميا بالرصاص في مدينة ميونخ كان مهووسا بهجمات إطلاق النار الجماعية، ولم تكن له أي ارتباطات بالتنظيم الذي يطلق على نفسه اسم «الدولة الإسلامية»، لم تكن تدرك أن تنظيم داعش يرتب مسرح الدم في مكان آخر. ففي هذه الأثناء وقبل أن تكتمل مسيرة التحقيقات وقعت مجزرة كابول التي راح ضحيتها 80 قتيلا و230 جريحا وكانت تستهدف أكبر عدد من المدنيين. في وصف الأمم المتحدة لهذه الهجمة بأنها جريمة حرب، هي جريمة ولا شك في ذلك، فالعنف عنف لا يمكن تبريره بالحالة التي وقع فيها، فترويع الآمنين الغافلين مثل ترويع من يقودون مسيرات مطلبية، والروح هي الروح سواء أكانت لسني أو شيعي، والإنسان هو الإنسان سواء أكان مسلما أو غيره.
وإزاء هؤلاء الضحايا المختلفين، بقي البحث وراء المبرر أو السبب أيا كانت القناعة التي يشكلها في ذهن المجرم، فردا كان أو تنظيما؛ لهو هروب محض من مواجهة الحقيقة المرة بأن هذا العالم أصبح شريرا بما يكفي وأصبح غير آمن على الإطلاق.
أصبح المرء ولو لم يكن محاربا، غير آمن على حياته، فمباغتة العمليات الإرهابية أضحت في أبعد الأماكن عن توقع حدوثها. ماذا بعد بيوت الله وأماكن تسوق الأسر وترفيهها؟
بات المشهد متكررا لا فرق بين شرق وغرب، عالم إسلامي وغيره. الجناة أيضا متشابهون، لا فرق بين من يرتكب هذا الفعل سواء أكان مسلما أو غير ذلك، عربيا أو غربيا، قائدا أو مغررا به. ما يجمع بين هؤلاء على أشتات مللهم وأعمارهم هو حبهم للقتل، وانتشاؤهم لمظاهر الدمار والدماء، فبعد تنفيذ كل عملية تنفتح شهيتهم لفظائع أكثر. الفرق الوحيد هو في جرأة ارتكاب الجرائم، ما بين متبجحين مستلذين بها وما بين مندسين.
المتبجحون هم القادة الذين يديرون هذه العمليات بالريموت كنترول ويعلنون مسؤوليتهم عنها مباشرة، حتى إنهم ينسبون إلى أنفسهم ما استحسنوا من عمليات وأعجبهم تخطيطها وتنفيذها حتى لو لم يدبروها، خاصة بعد مقتل الانتحاري المنفذ. والمندسون هم أشكال مختلفة من خيال المآتة، أراجيز لا تنتفي مسؤوليتهم ولكنهم يبذلون أرواحهم من أجل أفكار غيرهم، فأغلب من نفذوا العمليات السابقة لا علاقة مباشرة لهم بأفكار التنظيمات الإرهابية ومعتقدها.
mona.a@makkahnp.com

Exit mobile version